بمعنى أن صِدق الأصل يستلزم صِدق العكس، وكذِب العكس يستلزم كذِب الأصل) هذه قاعدة في العكس هنا.
إذا صدَق الأصل صدَق عكسُه، وإذا كذَب كذب.
يعني: لا يلزم في العكس أن لا يُؤتى إلا من قضية صادقة لا، قد يؤتى من قضية كاذبة، لكن يكون مثله، الكذب يولِّد كذباً.
فإذا كان الأصل كذِباً حينئذٍ عكسه وهو فرعُه يكون كذباً .. إذا كان الأصل كاذباً تفرَّع عنه الكذِب.
ولذلك قال هنا: (أنَّ صدق الأصل يستلزم صدق العكس، وكذِب العكس يستلزم كذب الأصل) بالعكس يعني.
(ولا يلزم أن يكون بقاء الكذِب من جانب الأصل؛ لأن الأصل الكاذب قد يحصل معه العكسُ الصادق كقولنا: بعضُ الحيوان إنسان) هذا صادقٌ (في عكسِ كل حيوان إنسان) وهو كاذب.
(وأُشير بتقديم التصديق على التكذيب إلى أن التصديق من جانب الأصل، والتكذيب من جانب العكس؛ بناءً على أن الأصل مقدَّم على العكس، ليُشعِر بأنَّ الأصل ملزوم والعكس لازم).
إذاً: قولُه: (وهو الحق) راجعٌ إلى قوله: (الصدق) دون أن يُذكَر فيه التكذيب أو الكذِب.
قال: (لأن العكس لازمٌ للقضية، ولا يلزم من كذِب الملزوم كذِب اللازم).
(لا يلزم من كذب الملزوم) الذي هو الأصل (كذِبُ اللازم) الذي هو عكسُه.
(فإن قولنا: كل حيوانٍ إنسان كاذب) كل حيوان إنسان هذه كاذِب (مع صِدق عكسِه وهو: بعضُ الإنسان حيوان.
بخلاف صدق الملزوم –الأصل- يستحيلُ معه كذِب اللازم).
إذاً: (لا يلزم من كذِب الملزوم كذب اللازم) إذا كذَب الأصل قد يصدق العكس، لكن إذا صدق الملزوم الذي هو الأصل صدَق عكسُه، فالصدق يَلزم .. إذا صدَق الأصلُ صدَقَ الفرعُ، وفي الكذب لا يلزم.
ولذلك قال: (ولا يلزم من كذب الملزوم) الذي هو الأصل (كذِب اللازم) الذي هو عكسُه، لا تلازُم في الكذب.
قال هنا: (بخلاف صِدق الملزوم يستحيل معه كذِب اللازم).
إذاً: لا تلازم في الكذب، وثَم تلازم في الصدق. هكذا.
(وليس المراد بصدقهما في عبارة البعض صِدقُهُما في الواقع، بل أن يكون الأصل؛ بحيث لو فُرِض صِدقُه لزِم صدقُ العكس).
يعني: الصدق المراد به هنا معنًى أعم مما شاع وهو المطابقة، وإن كان الأصل حملُه على المطابقة، لكن أراد هنا أن يعمِّم من حيث الفرَضية والاعتبار، بمعنى أنه يُفرَض صدقُ الأصل فحينئذٍ يلزم منه صدقُ العكس .. وهكذا.
قال: (لو فُرض صدقه لزم صدق العكس) أي: فرضُ صِدقه.
(ومع هذا) أي: كون الحق الاقتصار على الصدق وتأويله بفرضِه (فالتعبير بالتصديق أولى منه بالصدق؛ لأن التصديق لا يقتضي وقوع الصدق، وأما الصدق فيقتضي وقوعه).
ما دام أننا عبَّرنا وأوّلنا على الفرضية فالتصديق لا يلزم منه الوقوع، حينئذٍ يكون أولى بالاعتبار.
(ومع هذا فالتعبير بالتصديق أولى).
قال العطار: (أي: ومع صحة هذا التأويل وهو أنه ليس المراد بالصدق في نفس الأمر، بل بفرض الصدق) ولا شك أن الفرض أعم.
(فعبارة المصنف أولى لعدم إيهامها خلافَ المراد، والاحتياج للتأويل المذكور فيها).
على كلٍ هو اختلافٌ في التعبير فحسب: الصدق فقط، أو التصديق فقط، أو التصديق والتكذيب، أو الصدق والكذب.