ثم قضية أخرى: زيدٌ وتحمل عليه المحمول: زيدٌ إنسانٌ، زيدٌ حيوانٌ. وهذا يقول من الشكل الثالث .. زيدٌ إنسان زيدٌ حيوان، لماذا؟
لأن الحد الأوسط تكرر مرتين في الصغرى والكبرى، وهو موضوعٌ فيهما، وإذا وقع الحد الأوسط موضوعاً في القضيتين "في المقدمتين الصغرى والكبرى" يسمى الشكل الثالث.
(لأن الحد الأوسط موضوعٌ في مقدمتين، فيُرَد إلى الشكل الأول بعكس صُغراه فيصير هكذا: بعض الحيوان زيدٌ) وسيأتينا هذا في محله، لكن المراد هنا أنك إذا وصلتَ إلى الشكل الثالث ترُدُّه إلى الشكل الأول، كيف ترُدُّه؟
(بعكس صُغراه) يعني: تنظر إلى الصغرى فتأتي بعكسها.
(فيصير هكذا: بعض الحيوان زيدٌ وزيدٌ إنسان، فيُنتِج: بعض الحيوان إنسان وهو العكس المطلوب) وهذا يسمى في الاصطلاح كما ذكرنا: طريق الافتراض وهو مختصٌ بالموجبات والسوالب المركّبات.
إذاً: إذا نظرت إلى الأصل: كل إنسانٍ حيوان، فتفرض جزئياً هو فردٌ من أفراد الموضوع "إنسان"، ثم تحمل عليه إنسان، ثم تحمل عليه الحيوان، فصار قياساً من الشكل الثالث فترُده إلى الأول بعكس صغراه.
حينئذٍ يُنتج ما أنتجه هنا وهو: بعض الحيوان إنسان، يسمى دليل الافتراض لأنك افترضت، الموضوع هو ليس خاصاً بإنسان وإنما هو عام، فإذا افترضت جزئياً معيناً هذا صار من باب التقدير فقط.
قال: (فَيَكُونُ بَعْضُ الحَيَوَانِ إِنْسَانًا).
قال في الحاشية: (طريق الافتراض حاصلُه: أن يُفرض الموضوع فرداً معيّناً من مصدقَاتِه).
(أن يُفرض) يعني: يُقدَّر تقديراً في الذهن فقط.
(الموضوع فرداً معيّناً من مصدقاته) يعني: من أفراده.
(ويُحمل عليه المحمول) فيقال: زيدٌ حيوان، (ثم الموضوع) فيقال: زيدٌ إنسان.
(فينتظم منهما) صار مقدمتين .. قضيتين (قياسٌ منتِجٌ للعكس.
ففي مثال المصنف يُفرَض الموضوع وهو إنسان فرداً معيناً كزيد، ويُحمَل عليه حيوان، فنقول: زيدٌ حيوان، ونحمل عليه كذلك قضيةٌ أخرى إنساناً أيضاً ونقول: زيدٌ إنسان.
فيكون مجموعُهما قياساً من الشكل الثالث، ويُرَدُّ إلى الأول بعكس الصغرى) تقلبها يعني.
(فيصير بعض الحيوان زيدٌ وزيدٌ إنسان، فيُنتِج بعض الحيوان إنسان، وهو العكس المُدَّعِي ملازمتُه للأصل في الصدق).
قال: (ولأنه إذا صدق كل إنسانٍ حيوان لزم أن يصدُق بعض الحيوان إنسان، وإلا لصدَقَ نقيضُه).
هذا إشارة إلى دليل العكس، وهو الطريق الثاني.
في شرح عليِّش: (طريق العكس حاصلُه: أن يُعكَس نقيض العكس).
يعني: تنظر إلى الأصل فتأتي بنقيضه، ثم تأتي للنقيض فتعكسه. ثلاث قضايا هنا.
القضايا الأولى الأصل: كل إنسان حيوان.
فتأتي بنقيضه: لا شيء من الحيوان بإنسان.
ثم تأتي إلى عكس النقيض.
قال: (أن يُعكس نقيضُ العكس) يعني: الأصل.
(ويُقابَل عكسُ نقيض العكس بالأصل الصادق) يحصُل التقابل هنا.
يعني: الثالث تقابلُه بالأول.
(فإما أن يناقضَه أو ينافيه) إما أن تقع بينهما مناقضة أو منافاة.
(وعلى كلٍ فهو كاذبٌ، فمعكُوسه وملزومه وهو نقيض العكس كاذبٌ، فالعكس صادقٌ وهو المطلوب).
ومر معنا: أنك تبطل النقيض "نقيض القول" ليصح قولك؛ لأنهما متناقضان، فإذا أثبتَ بطلان النقيض صدق قولُك.