ثم كان الحدث العظيم في حياة المسلمين وهو هجرتهم من مكة إلى المدينة حيث أخذت الدعوة مسارًا جديدًا ومفترقًا هامًا وفاصلاً فهاجرت حفصة مع زوجها خنيس رضي الله عنهما منتظمين في ركب المسلمين وموكب المؤمنين.
[الأرملة الحزينة]
خاض المسلمون بقيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدر في العام الثاني من الهجرة وانتصروا يومئذ بتأييد من الله تعالى على المشركين نصرًا مؤزرًا وعادوا إلى المدينة التي استقبلتهم استقبالاً حافلاً وعظيمًا. فقد كان النصر يومئذ أول صفحة في سفر الجهاد حيث تنكست أعلام الجاهلية وفرغ كبرياؤها وزلزلت أركان عنجهيتها وبدت قريش أمام العرب مهينة ضعيفة هزيلة لكن الثأر حركها من رقدتها وأيقظ ما عفا من عزتها الجوفاء فصممت على إعادة الكرة واستعادة الموقع والموقف كي تظل سيدة العرب بلا منازع وتقضي حسب وهمها على بدعة الدين الجديد فخرجت بجموعها وحشودها وكل عزمها وحزمها إلى المدينة تريد المواجهة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عقر داره وحصنه الحصين.
وكان ما كان من نتائج أحد ...
ووقع خنيس - رضي الله عنه - جريحًا يعاني أشد المعاناة ينزف وتتردد أنفاسه بطيئة في صدره تنذر بدنو الأجل فكان قلب حفصة يئن من الحزن ويضج بالهم والغم ... وهي تلازم فراش خنيس وكانت تسعى كل السعي في محاولة الانقاذ اليائسة.