وسبق لنا أيضًا أن قلنا إن السماء قد شهدت لحفصة بالمثل الأعلى في التدين والتقوى حين قال جبريل - عليه السلام - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها: إنها صؤوم قؤوم .. ولقد حدث جويرية عن أسماء عن نافع قال: صامت حفصة حتى ما تفطر أما حجها فحدث عنه ولا حرج .. فلقد حجت حجة الوداع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لما اختاره الله تعالى إلى جواره الكريم كانت رضي الله عنها كلما أذن مؤذن الحج من كل عام فهيأت لزيارة البيت العتيق وأداء المناسك من طواف وسعي .. وغير ذلك ثم التصدق على الفقراء والمساكين فتنفق بلا حساب لأن ما عند الله تعالى خير وأبقى فكان كل ما يقسم لها فيء وما يأتيها من أعطيات الخلفاء تجعله في ميزان حسناتها يوم القيامة بصرفه على المساكين والضعفاء والمحتاجين.
[وفاتها رضي الله عنها]
وكانت دارها في المدينة حجرتها في بيت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - محط أنظار كبار الصحابة يأتونها زائرين ومستفسرين ومتعلمين وسائلين واصلين أو موصلين.
لا تخرج من الدار إلا إلى المسجد لأداء الصلاة أو زيارة قبر زوجها الحبيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم تمسح دموعها قد استذكرت الأيام الخوالي وتعود أدراجها إلى البيت يحتضنها بحنان وتدلف إليه بشوق. وفي العام الخامس والأربعين من الهجرة النبوية الشريفة وافاها الأجل المحتوم إثر إرهاق ومرض ولبت نداء ربها وأسلمت الروح وكانت جنازة مشهودة.