مرت حياة حفصة في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحب ما تشتهي وتريد وحفظت عن المصطفى عليه الصلاة والسلام بعض أقواله الحميمة وتوجيهاته السامية فسلكت مسلكها وعملت بمقتضاها ووعاها صدرها وقلبها لما دنت ساعة الفراق. ولحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى بكته حفصة بدموع هتون وقلب محزون ولزمت دارها لا تفارقها أبدًا سوى الحج إلى بيت الله الحرام وكانت العبادة سلوكها والتصدق على الفقراء والمساكين عادتها.
[في عهد الخليفتين]
وأضحت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما موضع تقدير واحترام حرمتها من حرمة بيت النبوة .. حتى إن والدها الفاروق كان يعظم هذا المعنى ويقدس تلك المكانة إكرامًا ووفاءٌ للنبي الراحل إلى جوار ربه الكريم - صلى الله عليه وسلم -. إضافة إلى ذلك أن بيت حفصة حجرتها رضي الله عنها كانت مستودع ما كتب من وحي وما نزل من آيات بينات على الرقاع وألواح العظام .. تصون ذلك وتحفظه فلما شرح الله صدر أبي بكر - رضي الله عنه - لجمع المصحف بإلحاح من عمر بعد أن استشرى القتل في القراء والحفظة أثناء حروب الردة خاصة يوم اليمامة كان ما عند حفصة رضي الله عنها في جملة ما اعتمد عليه في المراجعة والضبط.
بهذا يحدثنا التاريخ وأصدق الروايات وأوثقها فكان لأم المؤمنين حفصة رضي الله عنها من الفضل ما يضاف إلى رصيدها العظيم في العلم والإيمان والخلق والعبادة والأمانة.