- لقد غرس النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة الصادقة في قلوب المهاجرين والأنصار، يوم وقف الأنصاري أمام أخيه المهاجر فقال: أخي! هذا مالي بيني وبينك، هذه دنياي! نصفُها لي ونصفها لك، هاتان زوجتاي! انظر إلى أحسنهما أطلقها وهي لك.
- وهذا جعفر بن أبي طالب أبو المساكين: ينقلب بنا، فيطعمنا ما في بيته حتى يخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها، فنلعق ما فيها.
يقول أبو هريرة: والحديث في صحيح البخاري: (والجود بالموجود، خير الناس للمساكين جعفر، يخرج لهم يؤثرون ضيف النبي عليه الصلاة والسلام بطعام الأولاد).
- صور من أخوة التابعين وإيثارهم على أنفسهم: فهذا إمام من أئمتهم يقول: والله لو جُمِعَت لي الدنيا في لقمة واحدة، وجاءني أخ في الله لوضعتها في فمه ولا أبالي.
- إلى ماذا يحتاج الإيثار؟: إن الإيثار يحتاج إلى قلبٍ رقيق، وإلى ذلك القلب الذي ما إن يبثُّ إليه المهموم هَمَّه حتى يتفطر حزناً وألماً، يحتاج إلى قلبٍ يتسع لهموم المسلمين وغمومهم.
- إيثار محبة الله على محاب النفس: كذلك إيثار محبة الله على محاب النفس وما يحبه الله على هوى النفس: فالإيثار يقتضي شيئين:
- الأول: فعل ما يحبه الله إذا كانت النفس تكرهه: أحياناً النفس تكره شيئاً من العبادة، كأن يكون فيها بخل أو شح أو كسل، فالإيثار الحقيقي أن تقدم محبة الله على كره نفسك.
- النوع الثاني من الإيثار: ترك ما يكرهه الله عز وجل حتى لو كانت نفسك تحبه وتهواه.
وبهذين الأمرين يصح مقام الإيثار، ولكن المؤمن الذي يريد أن يصل إلى مرتبة المحبة وأن يجلب محبة الله له يتكلف المؤونة الشديدة ويراغم نفسه الضعيفة لكي يصل إلى هذا ويحقق هذا الإيثار، فيشمر وإن عظمت المحنة ويتحمل الخطر الجسيم إرضاء للملك ولأجل الحصول على الفوز الكبير.