للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(يقول من تقرع اسماعه .... كم ترك الأول للآخر)

وقيل أن المراد بالبيتين قوله

(فلو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت ... حياضك منه في العصور الذواهب)

(ولكنه صوب العقول إذا انجلت ... سحائب منه أعقبت بسحائب)

قال وهذا الذي كان يرجحه شيخنا الإمام أبو عبد الله محمد بن الشاذلي رضي الله عنه ويبعد الأول ويقول يقبح أن يتمثل به أولا صريحا ثم يشير إليه ثانيا تقديرا وشرطا وهو في غاية الوضوح لأنه يؤدي إلى التناقض الظاهر وارتضاه شيخنا الإمام أبو عبد الله محمد ابن المسناوي وعيه كان يقتصر الشيخ أبو العباس شهاب الدين أحمد بن على الوجاري رضي الله عنهم أجمعين انتهى. وهنا ملاحظة من عدة أوجه. أحدها أني رأيت البيتين الأولين مثبتين في حاشية النسخة الناصرية ولكن وجدت في المصراع الثاني من

البيت الثاني ما ترك الأول للآخر وهو غريب جدا لأنه خلاف المشهور لأنه جار في الأمثال المتداولة المشهورة حتى قال الجاحظ

(ما علم الناس سوى قولهم ... كم ترك الأول للآخر)

كذا في تاج العروس. الثاني أن قول الإمام أبي عبد الله محمد بن الشاذلي يقبح أن يتمثل به أولا صريحا الخ يشير إلى أن المصنف استشهد بهذا المثل أولا وذلك بقوله ولم أذكر ذلك إشاعة للمفاخر بل إذاعة لقول الشاعر كم ترك الأول للآخر فبعد أن أورده هنا بالتصريح لم يجمل به أن يذكره بالتعريض. الثالث أن قول المحشي أن ديوان لحماسة شرحه المرزوقي والزمخشري ولإضرابهما غريب فإن أشهر شروحه التي تداولها أهل الأدب شرح الإمام الشيخ أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي الشهير بالخطيب وهو الذي طبع في العام الماضي في المطبعة الخديوية ببولاق التي شملت فوائدها جميع الآفاق وعلى تفضيلها على سائر المطابع وقع الاتفاق فهذا الشرح هو الذي كان ينبغي تقديم ذكره والتنويه بقدره. الرابع أن قوله أي المحشي وتعجبوا من غزارة حفظه ظاهره أن سبب هذا التعجب كان من جمع الديوان المذكور والواقع أنه كان من اطلاعهم على ترجمة أبي تمام. الخامس أني وإن كنت ممن يعظم قدر أبي تمام لغزارة حفظه وجودة شعره وبديع معانية إلا أني كنت ألومه على الاختصار من كلام العرب لأن ما جمعه من كلامهم قليل جدا بالنسبة إلى المفضليات ولاسيما أنه كثيرا ما يورد البيت الفذ مقتضبا عن أصله غير مزدوج بما هو من شكله وفي ذلك ازدراء بالشاعر لا يخفى ولا يعفي حتى قرأت في ترجمته في النسخة التي طبعت ببولاق ما نصه وعاد من خراسان يريد العراق فلما دخل همذان أغتنمه أبو الوفاء بن سلمة فأنزله وأكرمه فأصبح ذات يوم وقد وقع ثلج عظيم قطع الطرق

<<  <   >  >>