ينظر فلما دخلت عليه وسلمت وحيته تحية الملوك وتواضعت له كما يتواضع للملوك تمتحنه بذلك. فقال لها سليمان: أهكذا عرشك؟ قالت له: كأنه هو، ثم قامت بين يديه فلا يأمرها ولا ينهاها عن القيام حتى إذا طال ذلك منها قال سليمان ورفع رأسه إليها: الأرض لله فمن شاء فليجلس ومن شاء فليقم. قالت: الآن علمت أنك نبي، قال: ومن أين؟ قالت: إنه لا يجلس عند الملوك إلا بإذنهم وأما القيام فعندهم يقام وما أقل من يقعد عندهم إلا من كان من خاصتهم، لكنك قلت مقالة أهل العلم بالله وقد أتيتك وأنا أريد أن أسألك عن ثلاث خصال فإن أنت أخبرتني بهن دخلت في طاعتك وإن لم تفعل فعلت رأيي فيما بيني وبينك. قال سليمان: فسلي ولا قوة إلا بالله. قالت: اخبرني عن ماء روي ليس من أرض ولا سماء، وأخبرني عن تشبيه الولد أباه وأمه ومن أين يأتيه ذلك، وأخبرني عن لون الرب تبارك وتعالى - سألته عن ذلك وهي جالسة مما يليه على كرسي - والأنس والجن عن يمينه وشماله. فقال سليمان للإنس: هل عندكم
في هذا شيء؟ قالوا: يا نبي الله لا علم لنا. قال للجن: هل عندكم في هذا شيء؟ قالوا: لا علم لنا يا نبي الله، ثم قال سليمان للجن: اركبوا هذه الخيل فأجروها فإذا تصبب عرقها فخذوه وجيئوني به. ففعلوا وآتوه بماء كثير من عرق الخيل فقال لها: هناك يا بلقيس ما روي من أرض ولا سماء. قالت: أجبت عن هذه فماذا تقول في الخصلتين؟ قال لها: أما شبه الولد، فإن النطفة إذا سبقت من الرجل كان الشبه له وإن سبقت من المرأة كان الشبه لها قالت: صدقت، قالت: فالخصلة الثالثة؟ قال لها: تبارك وتعالى عن سؤالك وأنا راغب إلى ربي، فرغب سليمان إلى ربه في مجلسه ذلك فأوحى الله إليه - إني قد أنسيتها ذلك فاسألها عنه فسألها -