الرأي والسابقة، قال له نفير: افعل أيها الملك. فأمر تبع بعسكر لميدع من أهل الفضل والبأس أحداً إلا بعث معهم وتقدمهم نفير فسار بهم حتى أتى ماء فقال لهم: خذوا الماء لثلاثة أيام، فأخذوا، ثم مضى بهم إلى مجانة لا آخر لها فلجج بهم في المجانة فقال لهم: اتقوا من الماء فاني ذاهب إلى موضع الماء فاحتسبوا معهم شيئاً من الماء، فاسرع بهم في المجانة وهم يتعللون بذلك الماء اليسير الذي معهم فأبعدهم مسيرة أيام في المجانة وفرغ الماء الذي معهم، وقد خلفوا خلفهم من المجانة ما لا يقدرون أن يقطعوه بلا ماء مسيرة أيام، فقالوا: ويلك يا هندي أين الماء ومتى نقطع هذه المجانة؟ فقال لهم: إلى الأبد الآبد تقطعونها وترون الماء، ويلكم أسعدتكم أيامكم فحملتم أموركم على الغرور وصحبتموها بالجهل، هل أبصرتم طائراً ووحشاً يدلكم على أن بين أيديكم ماء والله إنها مجانة لا تخرجون منها أبد الأبد أيها العرب لكم الصبر ولا تعلمون الغدر، أتدرون من أنا؟ قالوا له: لا قال لهم: أنا نفير ملك الهند فعلت بنفسي ما ترون لأقتلكم وأشتفي منكم نقمة لقومي وشفقة عليهم فأخذوه ورجعوا في طريقهم.
قال أبو محمد: لما سار نفير عن تبع بعسكره جمع حمير فقال: معاشر حمير أن العجم قليل صبرهم عند اللقاء وسريع غدرهم عند البلاء وقد مضى هذا الهندي بجميع رجالي ولم يمض بهم إلا إلى معاطش فاني لا أرى في أرضهم شيئاً يكاد به إلا المجانة فأخرج ذا جدن بن المسكين الحميري وأمره بحمل الماء على الجمال ففعل ذو جدن ما أمره به تبع، وتبع أثرهم فلقيهم وهم يتساقطون عطشاً