الرحيل وبع ما لك بمأرب من مال، قال: يا بنية الحبر يضيق بذلك الصدر وما على هذا الأمر من صبر.
قالت: يا عمرو - النجاء النجاء من أقام غرراً أساء فاعزم ولا يخدعنك المنى فإن العجز عاقبته البلاء وإن الجلوس غرر فالحذر الحذر ولله الفعل والأمر يهلك من يشاء ويذر، فاصدق نفسك ولم ينجو منه ذو ناب ولا ظفر. فكتم عمرو أمره وعزم على بيع ما كان له بمأرب من مساكن وجنات وقصور واجمع أن يرحل بولده وأخوته وقومه وفزع أن ينكر عليه ذلك فأمر بمائة من الإبل فنحرها وذبح
البقر والغنم وكان كثيراً ما يصنع ذلك فأصعم ثلاثة أيام وأرسل في جميع مأرب حتى لا يتخلف عنه أحد وكان عمرو قد أمر ولده ثعلبة العنقاء - وهو أكبر أولاده، وهو جد الأنصار - قال: يا ثعلبة إذا أمرتك غداً بأمر فاعصني وأغلظ علي في القول، فإذا ضربتك بالعنزة التي بيدي فالطمني، فقال له: يا أبت لا تساعدني يدي، قال له: إن لم تفعل هلكت أنت وأخوتك وقومك، فقال له: نعم. فلما اجتمع الناس أمره الملك عمرو فأبى عليه وأغلظ له في القول فصربه بالعنزة التي كانت في يده فلطمه ثعلبة ابنه، فقال عمرو: في يوم مجدي يلطم خدي فيه ولدي وأذلاه، فوثب الناس إلى ابنه ليقتلوه إعظاماً للملك، فقال لهم عمرو: لا تقتلوه فإن الرحمة سبقت له في قلبي من السخط، ولكني سأبلغ منه استطال ثعلبة وأطغاه علي المال ولكني سأعدمه وأبيع جميع مالي بمأرب تحت السد ونذر لله نذراً ليفعلن حتى يفقر ثعلبة ويدفع الأموال إلى أخوته وينتقل من مأرب إلى غيرها ويخلف ثعلبة. فقال الناس من أهل الشرف والقوة: اغتنموا من عمرو بن عامر غضبه وابتاعوا منه جميع ما كان له بمأرب فإن هو تمادى على غضبه فقد أفدتم أموالاً