وتسعون عبداً ليس فيهم حر غيري، وأما على أن يأتيك خيارنا ووجوهنا فتفعل بهم بأمرك فلا فافعل خيراً إن أردنه وإن كان شراً قتلت تسعة وتسعين عبداً وقتلتني شيخاً أعور أصم. فلما رأى قيصر ذلك وأنه لم ينل حاجته شاور أصحابه وقال لهم: ما ترون؟ فقالوا له إذا لم تنل حاجتك فأعط هذا الكلب الأصم حاجته، فقال له قيصر: ما حاجتك؟ فقال له جذع: إن في نفسك منا شيئاً لا بد لك منه ومقامنا معك غرور وأنت ملك تقدر أن تقول فتفعل، وإذا قدر الأعجمي فعل ونحن العرب نقدر ونترك لطفاً ورأفة. فقال قيصر: أسمعتم ما لقيني به هذا الكلب الأعمى! قالوا له رجاله: أتذر الحب العالم لمن يريد أن يذبحه قاتل فقال له جذع: اكتب لي كتاباً بالصلح بيني وبينك وأعطنا فيه ذمة إبراهيم وإسحاق وتفي بالكتاب الأول الذي قد كنت كتبت لنا ولا تمنع منا من أراد الدخول في بلدك ولا من أراد الخروج ولا تمنعنا مرعى نرعاه ولا يأتينا
عدو إلا كانت عساكرك أنصارنا ولا يظلمنا ظالم إلا نصرتنا والمواساة منك بالعدل. فأعطاه ذلك وكتب له كتاباً وأرسله إلى عامله وأرسله العامل إلى حارثة وقال لهم: لكم العدل المقام متى شئتم الرحيل متى شئتم، فقال جذع لأصحابه: أعطاكم الله عطفاً تحته حتف، فأعطوه استقامة تعقبها ندامة واحذروا فاني لا آمنه عليكم! إنما أراد أن يسكنكم حتى تسكنوا، ثم يفاجئكم بغدره كأن قلبه لكم كالمرجل وإني والله ما التقى بصره وبصري حتى رأيت العداوة في نظره وبعد ذلك فإن ظريفة قد وصفت لكم من يقيم بأرض الشام وما تلقون من حروبهم - وإنهم بنو علبة بن عمرو وهم بنو جفنة - فأقيموا وقد وصفت من يلحق بيثرب فإنهم يا حارثة بنوك وبنو بنيك فأطيعوني