قال معاوية: لله أبوك يا عبيد ما كنت أظن هذا هكذا وما كنت أظنه إلا ذا نواس! قال: بلى يا أمير المؤمنين. قال معاوية: فكم ملك ومن ملك بعده؟ قال عبيد: ملك
تسعاً وستين سنة، ثم ملك من بعده الهدهاد بن شرحبيل - وهو ذو يشرح - فكان قد تزوج امرأة من الجن - يقال لها رواحة بنت السكن - فولدت له بلقيس - وكانت أعقل امرأة سمع بها في ذلك الزمان وأفضل رأياً وعقلاً وتدبيراً وعلماً، وكانت ذات مشورة على أبيها، حتى عرف ذلك جميع حمير وغيرها منها - فلما حضرته الوفاة بعث إلى رؤساء قومه وأهل الرأي والنبل منهم وأمراء خيارهم، فذكر لهم إنه استخلف عليهم بلقيس. فقال رجل منهم: أبيت اللعن أيها الملك تدع أهل بيتك وأفاضل قومك وتستخلف علينا امرأة - وإن كانت في المكان الذي هي منك ومنا - قال: يا معاشر حمير قد رأيت الرجال وعرفت أهل الفضل وخبرت ذوي الرأي من المعاشر وشهدت ملوكها الماضين ومن أدركت منها فلا والذي أحلف به ما رأيت مثل بلقيس قط علماً ورأياً وحكماً، مع أن أنها من الجن وأنا أرجو أن تظهر لكم من أمور الجن ما تنتفعون به بإعانتكم ما كانت الدنيا - لأن أمها من الجن - فاقبلوا نصيحتي فيها فاني مع اختياري إياها مؤدية إلى غيرها من أهل بيتها، واني قد كنت سميت الملك لابن خالي هذا الغلام - وهو غلام له عقل ورأي وهو أولى بالأمر، فإذا بلغ ولي الأمر إما في حياتها وأما بعد موتها - قال: ومن هو؟ قال: ناشر بن عمرو بن يعفر بن عمرو. قالوا: سمعنا وأطعنا وأنت أيها الملك أنظر لنا وأبصر لنا. فوليت بلقيس أمورهم بعد أبيها الهدهاد بن شرحبيل ملك حمير.