قال معاوية: فاخبرني كم ملك الهدهاد بن شرحبيل؟ قال: ملك مائة سنة. قال معاوية: يا عبيد هل كانت بلقيس تريد الرجال؟ قال عبيد: ما تزوجت قط، ولا نكحها سليمان عليه السلام، إلا وهي بكر. قال: فمن كان خدمها؟ قال عبيد: الرجال. قال: فمن كان يخدمها؟ قال: النساء. قال معاوية: إماء هن أم حرائر؟ قال: بل بنات أشراف حمير. قال: وكان معها فيما بلغني ثلاثمائة وستون جارية،
وكانت تحبس الجارية، حتى إذا بلغت حدثتها حديث الرجال، فإن تغير لونها ونكست رأسها وبدا لها أنها قد أبصرت أمر الرجال، سرحتها إلى أهلها فزوجوها بعض أشراف قومها، وإذا رأتها مستمعة لقولها معظمة لأمرها غير متغيرة اللون ولا مستحية من الحديث عرفت أنها لا تريد فراقها وإن الرجال ليسوا ببالها.
قال معاوية: إن النساء في ذلك أطوار تكون على الوصف الأول وإنها لبعيدة عن الرجال وتكون على الصفة وهي تحتال على ذلك بالخداع والمكر قال عبيد: يا أمير المؤمنين إنه كان عندها بالأمور علم وكان هذا منها رأياً. قال معاوية: يا عبيد انك لتحدثني عن امرأة أظنها نواراً من النساء! قال عبيد: يا أمير المؤمنين، ومن أين يكون ذلك؟ وقد قالت لنبي الله سليمان بن داود ما قالت رغبة فيه وحرصاً على أن تكون زوجة له - ولو كانت نواراً لم تقل ذلك - ولكنها كانت من النساء مكرمة لنفسها ضابطة لرأيها وأمرها غير نزوع إلى المساوئ ولا غافلة عن المكارم. قال معاوية: فما كان قولها لسليمان بن داود؟ قال عبيد: يأتي عليك الحديث يا أمير المؤمنين. قال: افعل. فوالله انك لتحدث لعجباً؟ فكم ملكت حتى جاءها سليمان بن داود.