للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو الناثم يستيقظ" (١).

وقال مرة أخرى مخاطباً إياهم:

أف لكم! لقد سئمت عتابكم! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً؟ وبالذل من العز خلفاً؟ إذا دعوتكم إلى الجهاد عدوكم دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة. يرتج عليكم حواري فتعمهون، وكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون. ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، كلما جمعت من جانب انتشرت من آخر، لبئس - لعمر الله - سعر نار الحرب أنتم.

تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم فلا تمتعضون (٢)، لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، غلب والله المتخاذلون! وأيم الله! إني لأظن بكم أن لو حمس الوغى، واستحر الموت، قد انفرجتم عن أبي طالب انفراج الرأس" (٣).

ومرة أخرى يبين للناس ما هم في الجبن والمخاذلة والفساد والباطل فيقول:

كم أداريكم كما تداري البكار العمدة، والثياب المتداعية! كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر، كلما أطل عليكم منسر من مناسر أهل الشام أغلق كل رجل منكم بابه، وانحجر انحجار الضبة في جحرها، والضبع في وجارها. الذليل والله من نصرتموه! ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل (٤).


(١) "نهج البلاغة" ص٢٥٨، ٢٥٩
(٢) الامتعاض هو الغضب
(٣) "نهج البلاغة" ص٧٨
(٤) السهم مكسور الفوق، عار عن النصل

<<  <   >  >>