للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فاطمة) ماتت غير راضية عن أبي بكر [كذب عدو الله ولم يتذكر أنه روى نفسه أن فاطمة رضيت عن أبي بكر قبل وفاتها كما رضيت عن عمر كما مر بيانه وسيأتي -

غضب فاطمة على عليّ رضي الله عنهما

وذلك مع أن رضاها وعدم رضاها ليس سبباً للإسلام والكفر فإنها رضي الله عنها غضبت على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ولم يقل أحد بأنه خرج بذلك عن الإسلام.

وقد روى ذلك الشيعة أنفسهم في كتبهم.

فمنها ما رواه ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق في كتابه عن أبي عبد الله (جعفر) - الإمام السادس المعصوم عند القوم - أنه سئل:

"هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟

قال: فتغير لون أبي عبد الله "ع" من ذلك واستوى جالساً ثم قال:

إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) فقال لها: أما علمت أن علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاً ما تقول؟ فقال: حقاً ما أقول ثلاث مرات فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهاداً وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء عليّ فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي، فاستحى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله، ثم جمع شيئاً من كثيب المسجد واتكئ عليه، فلما رأى النبي (- صلى الله عليه وسلم -) ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد، وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحز والغم، وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء فلماء رآها النبي (- صلى الله عليه وسلم -) أنها لا يهنيها النوم وليس لها قرار قال لها: قومي يا بنية فقامت، فحمل النبي (- صلى الله عليه وسلم -) الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي "ع" وهو نائم فوضع النبي (- صلى الله عليه وسلم -) رجله على رجل عليّ فغمزه وقال: قم يا أبا تراب! فكم ساكن أزعجته ادع لي أبا بكر من داره، وعمر من مجلسه، وطلحة، فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) فقال رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) يا علي! أما علمت أن فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني (١)، من آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي" (علل الشرائع للقمي ص١٨٥، ١٨٦ ط نجف، أيضاً أورد هذه الرواية المجلسي في كتابه "جلاء العيون" الفارسي).

وغضبت عليه أيضاً مرة أخرى حينما رأت رأس عليّ في حجر جارية أهديت له من قبل أخيه، وها هو النص:

يروي القمي والمجلسي عن أبي ذر أنه قال:

كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة، فاهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم، فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي (ع) تخدمه، فجعلها علي (ع) في منزل فاطمة، فدخلت فاطمة عليه السلام يوماً فنظرت إلى رأي علي عليه السلام في حجر الجارية، فقالت: يا أبا الحسن! فعلتها؟ (٢)، وكانت تراه على الضلالة والبطلان،


(١) ومن الغرائب أن هذا الحديث لم يرد إلى بخصوص علي رضي الله عنه حسب رواية القوم ولكنهم يحولونها إلى الصديق رضي الله عنه، وعلى ذلك قال ابن تيمية رحمة الله عليه: فإن كان هذا وعيداً لاحقاً بفاعله لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب، وإن لم يكن وعيداً لاحقاً بفاعله كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي (المنتقى للذهبي)
(٢) انظر إلى ركاكة التعبير وسخافة القوم. والبهتان والافتراء على أهل بيت النبوة - صلى الله عليه وسلم - من قبل القوم الذين يدّعون محبة أهل البيت وولاءهم، وأهل البيت من مثل هذه السخافات براء] فقال: والله يا بنت محمد! ما فعلت شيئاً، فما الذي تريدين؟ قالت: تأذن لي في المسير إلى منزل أبي رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -)، فقال لها: قد أذنت لك، فتجلببت بجلبابها، وأرادت النبي (- صلى الله عليه وسلم -) " (علل الشرائع ص١٦٣ ط نجف وأيضاً "بحار الأنوار" ص٤٣، ٤٤، باب كيفية معاشرتها مع علي)
وغضب عليه مرة ثالثة كما يرويه القوم.
"إن فاطمة رضي الله عنها لما طالبت فدك من أبي بكر امتنع أبو بكر أن يعطيها إياها فرجعت فاطمة عليها السلام وقد جرعها من الغيظ ما لم يوصف ومرضت، وغضبت على عليّ لامتناعه عن مناصرته ومساعدته إياها وقالت: يا ابن أبي طالب! اشتملت مشيئمة الجنين وقعدت حجرة الظنين بعد ما أهلكت شجعان الدهر وقاتلتهم، والآن غلبت من هؤلاء المخنثين، فهذا هو ابن أبي قحافة يأخذ مني فدك التي وهبها لي أبي جبراً وظلماً ويخاصمني ويحاجني، ولا ينصرني أحد فليس لي ناصر ولا معين وليس لي شافع ولا وكيل، ذهبت غاضبة ورجعت حزينة، أدللت نفيس، تأتي الذئاب وتذهب ولا تتحرك، يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً، إنما أشكو إلى أبي وأختصم إلى ربي" ("حق اليقين" للمجلسي بحث فدك ص٢٠٣، ٢٠٤، ومثله في "الاحتجاج" للطبرسي و"الأمالي" ص٢٩٥ ط نجف).
وهناك وقائع أخرى ذكرها كل من المجلسي والطوسي والأربلي وغيرهم وقعت بين علي رضي الله عنه وبين فاطمة رضي الله عها - التي سببت إيذاءها ثم غضبها على عليّ.
ولا ندري بماذا يجيب عليها القوم، وبماذا يحكم المنصفون منهم؟
فنحن نرضاهم حكماً ومجيبين، فما هو جوابهم عن علي فهو جوابنا عن الصديق والفاروق رضي الله عنهم أجمعين.
فإن قالوا إنها رضيت عن عليّ بعدما غضبت عليه فنقول: إنها رضيت أيضاً عن الشيخين بعدما غضبت "فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك وشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه" (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج١ ص٥٧ ط بيروت، حق اليقين ص١٨٠ ط طهران، أيضاً شرح النهج لابن ميثم ج٥ ص٥٠٧ ط طهران، و"شرح النهج" للدنبلي ص٣٣١ ط طهران)

<<  <   >  >>