للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى، كنت ردأ للناس ومثابة للمسلمين" (١).

ويكتب ابن أبي الحديد تحته شرحاً لهذه الخطبة "فتنكب مجزوم لأنه عطف على تسر وكهفة أي كهف يلجأ إليه، ويروي كانفة أي جهة عاصمة ... .. ، وحفزت الرجل أحفزه أي دفعته وسقته سوقاً شديداً وردأ أي عوناً، ومثابة أي أمنا، ومنه قوله تعالى: {مثابة للناس وأمنا}، أشار عليه السلام أن لا يشخص بنفسه حذراً أن يصاب فيذهب المسلمون كلهم لذهاب الرأس، بل يبعث أميراً من جانبه على الناس ويقيم هو في المدينة، فإن هزموا كان مرجعهم إليه" (٢).

والقارئ حينما يقرأ هذه الخطبة يعرف الحب المتدفق من خلال الكلمات للفاروق والحرص على شخصه وحياته، والرجاء والتمني لبقائه في الحكم والخلافة ذخرا للإسلام والمسلمين رغم أنوف المبغضين والطاعنين فيه، ثم الجدير بالذكر أن الفاروق رضي الله عنه كان مصمماً للمسير إلى المعركة بنفسه والمرتضى علي رضي الله عنه كان يعرف ذلك، ومع ذلك أراد منعه قدر المستطاع لما كان يراه سبباً لعز الإسلام ومجده وشموخه، وأن لا يمسه سوء حتى لا تنقلب على الإسلام ودولته قالة ولا تدور عليه الدائرة، وأكثر من ذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يريد أن ينيب عنه في العاصمة الإسلامية علي بن أبي طالب رضي الله عنهما (٣) وكانت له فرصة ذهبية لأخذه زمام الأمور واسترداد الحقوق الموهمة التي يظنها القوم بأنها سلبت، وقد ملئوا من ذكرها الكتب والصحف ولطالما بكوا عليها بكاء مراً وبكاء إخوة يوسف حيث القضية بالعكس تماماً، لأن الذي ينيبون عنه، ويصيرون وكلاءه ومحاميه ومدافعيه، بل ومحاربيه ومقاتليه يظهر الأمر منعكساً


(١) "نهج البلاغة" تحقيق صبحي صالح ص١٩٣
(٢) "شرح نهج البلاغة" ج٢ جزء٨ ص٣٦٩، ٣٧٠
(٣) يأتي ذكره في محله مفصلاً

<<  <   >  >>