الضروريات إلى الكماليات والتوافه هي نسبة ٥% إلى ٩٥%، وربما أدى البحث مع اختلاف الأرقام إلى النتائج النسبية نفسها سواء في المستوى القومي أو في المستوى الفردي. ففي الحالتين كلتيهما نكون قد جمعنا الآثار السلبية التي ينتجها المعامل نفسه Cofficent، لأنه على علاقة بالمعادلة الشخصية التي تبرز فيها مع عناصر النمو في البلاد التي لم يتكوّن فيها بعد (الوعي الاقتصادي). فليست إذن الوسيلة المادية فحسب هي التي تفتقدها هذه البلاد لصناعة (جورب نقودها) بل إنها تفتقد أيضاً الاستعداد العقلي الذي يبلغها هذه الغاية.
فلكي يحدد الرجل المسلم وجهته الاقتصادية يجب أن يتخلص من المعامل (المقلل) الذي يهبط بمقدرة وسائله التأثيرية. ولن يستطيع الدخول في أي اطراد للنمو الاقتصادي إلا إذا حققنا انتقاله غير المشروط من المرحلة النباتية إلى الوضع الإيجابي الفعال، باعتباره مبدأ، فنوفر له دون شرط كمية الوحدات الحرارية اللازمة لهذا الانتقال، والضمان الأولي لكرامته النفسية، أي أن من الواجب أن نضع المشكلة أولاً في مصطلحات (البقاء). ووضع مشكلة الغذاء في هذا الإطار ينتج لنا مشكلة أخرى، هي مشكلة التوظيف الكامل لموارد تلك البلاد المادية والبشرية، فالمسألتان تندمجان منذ البداية في مشكلة واحدة تعبر عن المشكلة الاقتصادية في المجال الإنساني والأخلاقي (١)، فإن أي نظام اقتصادي إنما توجهه القوى الأخلاقية التي تخلع عليه تفسيراً إنسانياً وغاية تاريخية. فهو في بدايته يحمل طابع اختيار بين (المنفعة) و (الحاجة) وفكرة التوزيع فيه، أعني أن وظيفته الاجتماعية الجوهرية تكتسب تحديدها من هذا الاختيار الأولي.
فالمذهب التجاري أو الاحتكاري القائم على أساس المنفعة، أي الذي يقوم
(١) ويبدو أن البلاد العربية بدأت تواجه المشكلة في وضع (البقاء). كما برهنت على ذلك التقارير الأخيرة التي اتخذتها الجزائر في قضية التشغيل العام.