إن التغيرات التي نشاهد نتائجها بعد مدة طويلة في عالم الاقتصاد، أحياناً، هي في جوهرها تغيرات حضارية تعتري القيم والأذواق والأخلاق في منعطفات التاريخ، فتتغير معالم الحياة بتحول الإنسان نفسه في إرادته واتجاهه عندما يدرك معنى جديداً لوجوده في الكون.
وهذا التحول لا يؤثر في عالم الأشياء، ولا في المعقولات التي يتضمنها عالم الأفكار بوصفه أنماطاً تطبيقية ( Modalités opératoires)، أي لا يؤثر في عالم الاقتصاد بنوعيه- الشيء المصنوع والفكرة الدالة على طريقة صنعه- ما لم يؤثر في محتوى النفوس ذاتها، طبقاً للآية الكريمة:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد ١٣/ ١١].
ولو تدبر أهل الاختصاص في الاقتصاد من المسلمين هذه الآية، أدركوا أنها تضع هذه القضية وغيرها مما يخص أوضاع المجتمعات أولاً في مستوى تغير مسوّغات الوجود في المجال النفسي، وفي كلمة واحدة وبصورة أوضح في المستوى الحضاري.
ولو تدبروا أيضاً بعض الدراسات المتعمقة في البحث عن جذور الاقتصاد، لوصلوا إلى النتيجة النظرية نفسها، أي أن الاقتصاد ليس قضية إنشاء بنك وتشييد مصانع فحسب، بل هو قبل ذلك تشييد الإنسان وإنشاء سلوكه الجديد أمام كل المشكلات.
إن دراسة من هذا النوع تفيد قطعاً في تطعيم بعض الأفكار الاقتصادية، إن