لم يكن في تعديلها، حتى تكون في الحالتين كلتيهما أقرب من واقع الإنسان الذي نحاول تدعيمه أو تغييره في المجال الاقتصادي، حسب الظروف.
إن مصادفة سعيدة، جعلت تحت يدي، وأنا أحرر هذا الفصل دراسة لـ (جون نيف J. nef) ألفها محاضرات ثم نشرها في كتاب تحت عنوان (الأسس الثقافية للحضارة الصناعية).
إن هذا الأستاذ تناول موضوع الاقتصاد من جذوره، فتراه يعالج في صلب موضوعه قضايا، ربما لا يتفق كثير من أصحاب الاختصاص في بلادنا، بأن لها اتصالاً وثيقاً بموضوع الاقتصاد، لأنه سبق في أذهاننا أنه موضوع (الكم) والإحصائيات، فتراه مثلاً يعقد فصله الأول لـ (حركات الفكر) بين ١٥٧٠ - ١٦٦٠، ويعقد فصلاً آخر لـ (الإصلاح الديني ... ).
ولكنني لست بصدد تعريف المسلم المتورط في عالم الاقتصاد، كيف نشأ هذا الاقتصاد على أسس حضارة غيره. بل أحاول أن أدله على طريق لحل أزمته الراهنة. على الأقل في المجال الفكري، لتكون له بعد ذلك الخيرة بين أفكار واضحة.
إن الدارس الغربي مثل (جون نيف)، يدرس الأشياء من الناحية الوصفية كما هي، لأنها واقع شاخص أمام عينيه، وكل أسباب هذا الواقع سابقة في التاريخ عن جيله، فيكفيني أن يصف الأشياء بصدق، أي أن يحللها بدقة، ليفيدنا بقدر توفيقه في الوصف والتحليل.
ولكننا نواجه القضية من زاوية أخرى، يضطرنا لذلك واقعنا الخاص، أي يجب علينا أن نواجه هذا الواقع لا بأسلوب من يصف شيئاً موجوداً، بل بأسلوب من ينشئ شيئاً مفقوداً، أو يحاول إنشاءه طبقاً لأسباب ما زالت فاقدة التأثير في مجتمعنا.