لم يكن المسلم عندما فتح عينيه في عالم الاقتصاد، بعد أن نالته الصدمة الاستعمارية، سوى قنّ يُسخَّر لكل عمل يريده الاستعمار، فينتج المطاط في حقول الهند الصينية (فيتنام)، والفول السوداني في إفريقيا الاستوائية، والأرز في بورما، والتوابل والكاكاو في جاوه (إندونيسيا)، والخمور في الشمال الإفريقي.
لم تكن له في هذه الأعمال صلة موضوعية بعالم الاقتصاد، ولا تربطه بعمله صلة ذات طابع مشروع، لم يكن (المنتج) الذي يُرعى حقه، ولا (المستهلك) الذي ترعى حاجته؛ لقد كان أداة عمل مستمر فقط، فلم يتكون لديه (وعي اقتصادي)، ولا تجربة ولا خبرة في عالم اقتصاد غريب عليه بكل مفاهيمه، وبنائه ومصالحه الأجنبية. ثم من ناحية أشمل، ومهما كان حظه في محيطه الاستعماري، كان يجري عليه قانون التقليد كما يجري على كل كائن، فقد صلته بعالمه الأصيل ففقد أصالته. فكان عندئذ أميَل لتقليد (الحاجات) منه إلى تقليد (الوسائل) لأنه فقد وعيه الحضاري أيضاً، فيصير في مرحلة أولى مقلداً بقدر استطاعته للحاجة التي أفرزتها حياة غيره، دون أن يفكر في صنع وسيلة إشباعها، ثم في مرحلة ثانية، إذا تحقق استقلال بلاده، يصير إلى تقليد الحاجات الواردة وتقليد الوسائل المستوردة كيفما اتفق له، ولو على حسابا سيادة البلاد.