ومن هنا تظهر المصلحة التي تحققها المحاولات التي قامت بها حديثاً بعض الحكومات، مستهدفة علاج أوجه النقص في الإنتاج الزراعي، الناتج عن استعمال وسائل الزراعة العتيقة من ناحية، وعن طبيعة الملكية العقارية من ناحية أخرى، فالمشكلتان مرتبطتان ببعضهما إلى حد بعيد، واستعمال الوسائل العتيقة مثلاً في إفريقيا الشمالية قد كان يفسره لنا إنشاء الاستعمار للإقطاعيات الضخمة، التي لم تدع للفلاح الوطني أي إمكانية مادية لتعديل طريقته العتيقة. ولكننا نجد الفلاح في مصر ذلك الذي ارتبط بالأرض منذ القدم، نجده حتى ثورة تموز (يوليو) ١٩٥٢ وليس لديه من الإمكانيات المادية ما يكفيه لتعديل وسائله، وربما إلى الآن.
ومن هنا يأتي تفسير مشروع الإصلاح الزراعي الذي قام به القادة الجدد في مصر، وقد كان من نتائجه المباشرة أنه غيّر حالة الفلاح، ذلك الذي كان يعيش في صورة منبوذ مرتبط بالأرض برباط الاسترقاق، فأصبح عاملاً يربطه بالأرض (وعي اقتصادي) لوضعه بوصفه منتجاً ومستهلكاً؛ وإن هذا الإقحام الاقتصادي ليمس ٨٢% من مجموع الشعب المصري، وهو يعد بهذا، الإجراء الأول في تحويل اقتصاد البلاد، والخطوة الأولى الضرورية في طريق التصنيع؛ وفضلاً عن ذلك فإن نتائجه الاقتصادية الخالصة ستؤكد أهميته من الناحية النفسية والأخلاقية.
وإن انتزاع ملكية ٥٠٠،٠٠٠ فدان مشتراة من الملاك الكبار، ومصادرة ١٧٥،٠٠٠ فدان من أملاك العائلة المالكة السابقة، ليعد- إلى جانب كونه إجراء للإصلاح الزراعي، يحول الرقيق إلى فلاح- علية تكوين رأسمال تُحَوّل رأس المال العقاري- بما يحتوي من قوة فعالة- إلى ميدان الاستثمار الصناعي، مغيرة بذلك الأوضاع الاقتصادية في البلاد ومحتمة وجهتها الصناعية. وفي حدود التفاصيل الخاصة بكل بلد تعد البلدان الإسلامية في هذه المرحلة من مراحل