للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد جاوزت هذه العواقب في سوئها حداً، جعلها تمثل صعوبات مادية كبرى في طريق البلدان المستعمرة، وعقداً نفسية تحكم على هذه البلدان بضربٍ من الصبيانية الاقتصادية.

إن إنسان العالم الثالث عامة والمسلم خاصة، يظنان أنهما بارئان من أسقامهما بدواءٍ جديد يشفيهما من كل داء. وقد تكلما عن الاقتصاد كلامهما عن حجر جديد للفلاسفة يملك أن يجعل الفقر غنى برمشة عين، فوقعا في ضرب من الصبيانية الاقتصادية Economisme.

وما يزيد الطين بلة أن حجر الفلاسفة الذي يزعمان المداواة به، لا يصنع المعجزات في البلد الذي يتخذه علاجاً، بل يدسّ له من مخابر البلدان المتقدمة التي همّها الأكبر ضمان مصالحها لا تخفيف عبء البلدان المتخلفة.

وهذا الدواء الشافي من كل داء في العالم الإسلامي لم يكن له من أثر، إلا أن جعله فريسة شر أدوائه بإيقاعه في (الاقتصادانية L'Economisme).

والاقتصادانية إنما هي فقاعة غاز لا تحوي أي واقع اقتصادي، بل هي أسوأ. إنها ظرف يبدي ألوان قوس قزح لألاءة براقة، إنه يحوي أوهاماً خلابة ضائعة وتناقضات تدعو للسخرية.

إن الاقتصادانية أو المعاشية لم ينزلْ بها قرآن من السماء، بل أفرزتها كائنات أميبية جسّدت القابلية للاستعمار وتجسد التخلف اليوم. وهي عموماً تعني بادئ ذي بدء استبداداً، أي تقييداً جديداً لحرية التصرف، فيه يلتهم المشرّع الاقتصادي القيمَ الأخلاقية والمدنية كلّها لأبناء الشعوب المستعمرة حتى يعززوا كما يزعمون، الاستقلال السياسي الذي اكتسبه الشعب.

حتى إن الاقتصادي لا يحيي القرية بإعادة كرامة المواطن التي داستها الأقدام ووطئتها قروناً طوالاً، بل يلبسه ثوب الذل كرة أخرى ويخنق أنفاسه ويضيق

<<  <   >  >>