فحيثما كانت (الاقتصادانية) وما يتبعها من حاجة عظمى للأدمغة جاء بلد متقدم فامتصها. وما هذا إلا تناقض قليل الشأن، ذلك بأن الاقتصادانية تفعل أكثر منه أيضاً. فعندما يحط الدماغ المكوّن بنفقات عظيمة في مسقطه يصبح مصيره رهناً للنزوة الطائشة. فقد يرى نفسه، بعد إذ تكوّن في مدرسة كبرى، كاتباً في إدارة على سبيل المثل. وقد يرى نفسه، بعد إذ غدا مهندساً في مؤسسة صناعية فنية ألمانية، عاملاً إدارياً وراء مكتب في هذا القطاع العام أو ذاك.
حتى إن التخلف الذي هو نقص في الوسائل على الصعيد الاقتصادي، ينوء حمله الاقتصادي بجانب سلبيّ جديد من الوجهة النفسية: هو سوء الانتفاع بالوسائل.
ولقد انتصرت الصين الشعبية انتصاراً كاسحاً على هذا الجانب، الذي كان يفرض عليها الخيار بين (الصنع والشراء)، ولكنها لم تنتصر عليه ذلك الانتصار إلا بما قامت به من ثورة ثقافية.
فينبغي للبلدان الأخرى في العالم الثالث أن تقوم هي أيضاً بثورتها الثقافية، حتى تذلل المصاعب ولا سيما العقد التي تعوق سبيل تنميتها الاقتصادية.
وليس بضربة لازب أن تختار لذلك قدوة معينة في التنمية أياً كان شأنها، فالاقتصاد يسلك سبله الخاصة التي ليست بالضرورة سبل الرأسمالية ولا سبل الماركسية.
إن المجتمع في منطلقه يتمتع دائماً بسلطان اجتماعي، يمثله الإنسان والأرض والزمان الذين يملكهم في الحالات جميعاً، لكنه لا يملك سلطاناً مالياً دائماً.
(١) مقابلة في الرائي الجزائري ( Television) في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٧١م.