والآن بعد قرن ونصف، يرى المسلم بكل وضوح أين يؤدي هذا، إلى أي اضطراب اجتماعي يؤدي بالمجتمع الذي يسير هكذا، إلى أي انحرافات ثقافية تنشأ فيه متخذة ردود أفعال ضرورية أمام إفراط في الإنتاج وتفريط في التوزيع، فتنشأ الماركسية مثلاً وتقوم على أساسها الثورات الشيوعية لتعيد المياه لمجاريها في عالم الاقتصاد حسب زعمها.
ولا يصطدم المسلم في هذا الاتجاه، بإباحية الرأسمالية فحسب، أي بروحها فقط، بل سيصطدم أيضاً بشروطها أو بعض شروطها الفنية؛ لأن الرأسمالية تقتضي استثمار المال بوصفه الوسيلة الوحيدة لدفع عجلة الاقتصاد، وإذا بها تلجأ لعملية تجميع الأموال وتركيزها في مؤسسات معينة كالبنوك، لتقوم هي بتوزيعها وتوظيفها في القطاعات الإنتاجية المختلفة، على أساس الربا في عمليتي التجميع والتوزيع.
وإذا بالمسلم الذي يختار هذا الاتجاه يغوص في محاولة تخليص الرأسمالية من الربا، لأنه محرم في شريعته.
وكأنه من الناحية الفنية يحاول تخليص جسد من روحه، ويرجو أن الجسد سيبقى حياً وسيقوم بمهماته.
وإن نجح في إيجاد حل نظري في قضية الربا يطابق الفقه الإسلامي، فيكون كأنه وجد روحاً لا يضمه جسد، أو تناقض مع جسده؛ لأن نظام البنوك يرفض هذا الروح وهو يرفضه، فيبقى الحل النظري معلقاً عملياً، لأن صاحبه انطلق على أساس مسلمة استثمار المال بصفته منطلق للديناميكا الاقتصادية، دون أن يراجع هذا المبدأ نفسه.
وربما يلتفت المسلم، بعد خيبة أمله في الرأسمالية، في الاتجاه الأخير، في اتجاه الاقتصاد الشيوعي، وبكلمة ألطف: في اتجاه الاقتصاد الاشتراكي، لا لأنه