العملية، فإننا سوف نفاجأ بأمر هو أنَّ الأرقام أو الأعلام، لم تتوزع بطريقة عفوية فوضوية على الخريطة أو على الترتيب الأبجدي، لأنه قد يكون الرقم (جـ) بجانب الرقم (جـ) الذي هو بجانبه فعلاً في الإحصائية وقد جاءت مرتبة بطبيعة الحال ترتيباً أبجدياً حسب أسماء البلدان، ولكنه سوف يكون على العكس في الخريطة بجانب حرف آخر ربما يكون حرف (ي) أو غيره، على ترتيب لا صلة له بحروف الأبجدية.
فإذا وزعنا المئة والخمسين علماً هكذا، أي المئة والخمسين رقماً، نجد أنها ترتبت ترتيباً آخر، فمجموعها يصوّر لنا توزيعها على الخريطة على شكل قارتين يفصلهما خط عرض ٣٠° تقريباً، وذلك عند رقم ٥٢٠ $، أي متوسط الدخل الفردي السنوي الذي يعد عتبة نصعد منها إلى القارة الشمالية، أي إلى البلدان التي لديها إمكان تقديم كل الضمانات الاجتماعية لسكانها، أو ننزل منها إلى قارة الجنوب حيث البلدان التي لا تستطيع، في المرحلة الراهنة، أن تتكفل الضمانات الاجتماعية لسكانها.
فإذا اعتمدنا هذه الخريطة، فقد يتطرق إلى أذهاننا بعض الحالات الشاذة، توهمنا في طبيعة الظاهرة التي نحاول جلاءها في هذا الفصل، خصوصاً لدى من يهوى تعطيل القاعدة بسبب وجود حالة شذوذ. وما أكثر هؤلاء الهواة في البلاد الإسلامية والعربية على وجه الخصوص!
إننا طرحنا جانباً متوسط الدخل الفردي السنوي في الكويت، بينما يأتي رقمه، أي ٣٤٠٠ دولار، على رأس الإحصائية التي تناولها تحليلنا في هذا الفصل. لذا يجب الآن أن نقدم بعض التفسير لموقفنا هذا الموقف، فنقول إن متوسط الدخل في الولايات المتحدة ٣٠٢٠ دولار لا يخضع لشروط خارجة عن الأرض التي تتمتع به، ولا عن سياستها ولا عن ثقافتها، ولا عن كل الظروف القاسية مثل حرب عالمية كل صلاتها مع الخارج، فإنها لا تفقد بذلك سوى ٥% من إمكانياتها