للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المذهبية]

هنا بعض المسائل التي أحب أن أؤكد عليها تبعاً للمقدمة التي سبق بيانها، وأبرزها مسألةُ المذهبية.

أقول أولاً: هذا الكلام لا يقصد به التثريب على أحد، فقد تكلم في هذه المسألة بعض الشيوخ الفضلاء، وفي بعض الأحايين يتكلم بهذا أئمة في هذا العصر كالإمام الألباني رحمه الله، وهو ممن يشار إليهم، بل إنه يعتبر من أئمة السلفيين، فلا يطعن فيه إلا جاهل.

ولا يلزم أيضاً أن هذا الكلام الآتي سيكون كلاماً للشيخ الألباني رحمه الله، لكن بعض هذه الاستدلالات تأخذ من الشيخ رحمه الله أو بعض من يقابله من المذهبيين الذين يبالغون في تصحيح المذهبيات وتغليط الشيخ في طريقته.

الشيخ رحمه الله لم يأخذ مذهباً فقهياً كما هو معروف، وإنما التزم أنه يستدل بحسب ما يظهر له من الكتاب والسنة ولا يخرج عن الإجماع ..

وهذا المنهج للشيخ وأمثاله يُعد منهجاً سلفياً شرعياً صحيحاً درج عليه الأكابر من الأئمة، بل هو فضيلةٌ من فضائله رحمه الله: أنه وصل إلى هذا المقام في هذه الأمة في عصره هذا؛ لما عنده رحمه الله من سعة العلم والأصول والتفقه وما إلى ذلك، فهو رحمه الله وإن كان عارفاً بالحديث إلا أنه إمام في الفقه، ولا يجوز أن يؤخر مقامه عن الفقه؛ لكونه لم ينتسب إلى مذهب من المذاهب الأربعة.

لكن السؤال في تقرير بعض اللوازم من هذه الطريقة: هل هذه طريقةٌ لازمة لآحاد طلبة العلم، أو حتى لعلماء المسلمين في هذا العصر؟

وأشدُ من ذلك: هل يصح أن يقال عن مجرد انتساب من ينتسب إلى مذهب من المذاهب -الحنبلي أو الشافعي أو المالكي أو الحنفي- أنه انتساب بدعي مخالفٌ للسلفية؟ هذا هو القدر الذي يقصد إلى مراجعته.

أحياناً مثل هذه المسائل من المهم أن تضبط بالإجماعات وبالاطراد، فإن الاطراد إذا درج لا يمكن أن يكون غلطاً.

الانتساب إلى المذاهب الأربعة المعروفة: الشافعية

إلخ، والتي استقرت عند المسلمين ابتدأ من القرن الرابع، بمعنى: أن جماهير علماء المسلمين حتى السلفيين منهم -أي: من عقيدتهم ومنهجهم سلفيٌ محض- كانوا إما حنابلة أو شافعية أو مالكية أو حنفية.

قد يقول قائل: وجد في تلك القرون بعضُ العلماء الذين كانوا يعتبرون طريقة أهل الحديث ..

فما الجواب؟

يقال: ليس المقصود هنا أن نقول أن الانتساب للمذاهب هو الشرعي أو هو المقصود، فإن بقاء طائفة من العلماء في كل القرون السابقة متمسكة بالاستقلال والاستدلال بالأثر، وعدم الاتصال بمذهبٍ ما، أمر لا ينكر، إذا كان القائم به أهلاً له، لكن قد حصل التوارد في الانتساب للمذاهب، وبالقطع الضروري والعلم الضروري أن المتمذهبين أكثر من غير المتمذهبين ولا شك؛ فإن علماء الأمصار أكثرهم متمذهبون.

وهنا سؤال: إذا افترضنا أنه وجد اطراد في ترك المذهبيات بعد القرون الفاضلة، أو في القرن الرابع وما بعده، فهل أنكر أحد من العلماء السلفيين المعتبرين التمذهب كمجرد انتساب وانتحال؟

الجواب: هذا ليس له شيوع أبداً.

إذاً: تحصل من هذا أن ثمة إقراراً عاماً على مبدأ الانتحال.

وأما الذي يفصل فيه فهو أن التمذهب يراد به أحد وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>