للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام المقالات التي يقول بها أهل البدع]

هنا قاعدة يتفطن لها في تقرير مقالات المخالفين من أهل القبلة، وهي: أنه ما من طائفة من هذه الطوائف إلا وفي كلامها ما هو -من حيث الحقيقة الشرعية أو من حيث الحكم الشرعي- كفر أكبر: كتعطيل الصفات، أو تكفير الصحابة، والإطباق على سبهم سباً مطلقاً

إلى أمثال هذه المقالات، فهذه مقالات كفرية، لا جدل في كونها كفراً، ولكن المقالات التي تقول بها هذه الطوائف والتي يقال: أنها كفر، تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن تكون المقالة مما يعلم بالضرورة أنها كفر.

ومن مثال ذلك: النفي لعلم الرب بما سيكون من أفعال العباد، فهذه مقالة كفرية يمتنع التوهم فيها، ولا يتوهم فيها إلا من هو -على أقل أحواله- معرض عن الحق، إن لم يكن قاصداً تكذيب الحق؛ لأنها خلاف الفطرة.

وكذلك المقالات التامة من مقالات الجهمية، وهي مقالة الجهمية الغالية، الذين يعطلون جميع الأسماء والصفات وينكرونها.

وكذلك من الأمثلة: مسألة العصمة عند بعض الطوائف، فمن نسب لقوم العصمة على معنى أنهم يعلمون الغيب، وما في النفوس والصدور، أو يقدرون ما يقدرون من حوادث الكون، ويسيرون هذه المسائل الكونية، أو أنهم مقطوعون عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم يأخذون من العلم المختص، أو أن لهم مقاماً من اللوح المحفوظ لا يعرفه محمد صلى الله عليه وسلم ولا جبريل عليه السلام، أو أنهم يباشرون العلم في اللوح المحفوظ، فمن ادعى العصمة لأحد من الناس سواء سماه إماماً أو ولياً أو غير ذلك على هذا المعنى ..

فهذا المدعي كافر، ولا جدل في كفره بعينه.

القسم الثاني: أن تكون المقالة كفراً، والفرق بين هذا القسم والقسم الأول هو في الإبانة والبيان والظهور.

فالقسم الأول: هو المقالات الظاهرة على التمام للخاصة والعامة، والتي يمتنع عليها التوهم، فلا تصدر إلا عن زندقة وكفر.

أما القسم الثاني: فهو وإن كان كفراً إلا أنه قد يشتبه على من يشتبه عليه من الناس.

فهذه المقالات إذا قيل: إنها كفر، فهذا على حقيقته، وكلام السلف في ذلك على حقيقته، أي: أنها كفر بالله سبحانه وتعالى، ولكن الأصل في القائل بها أنه لا يكفر بعينه إلا إذا عُلم قيام الحجة عليه.

ويُعلم ذلك بطرق -كالمناظرة وأمثالها- يعرفها المجتهدون من العلماء، فمن عُلم قيام الحجة عليه كُفر بعينه، وإذا كفر واحد بها فإنه لا يلزم من ذلك التكفير لكل من نطق بها، أي: لا يلزم إذا كفر إمام من الأئمة أحد القائلين بها أن كل من نطق بهذه المقالة يعطى نفس الحكم، وهذا هو الغالب على المقالات الكفرية عند طوائف أهل القبلة.

إذاً: المقالات البدعية عند أهل القبلة ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مقالات بدعية تخالف الإجماع وليست كفراً، وهي البدع التي دون الكفر.

القسم الثاني: مقالات بدعية كفرية؛ ولكن يدخلها ما يدخلها من الاشتباه، فهذه لا يكفر قائلها إلى حيث عُلم قيام الحجة عليه.

ومثال هذا: القول بخلق القرآن، فهذه كلمة كفر، لكن القائل بها ليس بكافر إلا إذا عُلم قيام الحجة عليه.

ومثل هذا القول بأن أفعال العباد ليست مخلوقة لله، فإن هذا القول معارض لقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:١٦].

لكن ننبه هنا إلى مسألة: وهي أن هناك من يقول: من قال بأن العبد يخلق فعله، أو أن الله ليس خالقاً لأفعال العباد ..

فهوكافر، ويعلل هذا بأن قائل هذه المقالة مشرك، وكما أن الله كفر المشركين في الألوهية، كذلك يكفر من هو مشرك في الربوبية.

ومثل هذا الوجه من الأخذ للمسائل ليس بحسن، فإنه لا شك أن هذه المقالة مناسبة لمادة الكفر، ولكن القائل بذلك لا يكفر إلا حيث عُلم قيام الحجة عليه، وقد كان الإمام أحمد وأمثاله يقولون: "لو تركنا الرواية عن القدرية لتركناها عن أكثر أهل البصرة".

القسم الثالث: هو المقالات الكفرية البينة الكفر التي لا تصدر إلا عن كفر، ويمتنع عليها التوهم والاشتباه، فهذه أصحابها كفار، ومثال ذلك: من يكفر الصحابة عن بكرة أبيهم إلا نفراً يسيراً كـ علي وأمثاله، ومن قال بعصمة الأئمة أو غيرهم على معنى أنهم يعلمون الغيب وأمثال ذلك فهذا كافر، ومن قال بتحريف القرآن فهذا كافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>