للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تكفير الإمام أحمد لابن أبي دؤاد مع عدم تكفيره للمعتصم]

وأضرب لذلك مثلاً: الإمام أحمد بين يديه رجلان: ابن أبي دؤاد والمعتصم، وكلاهما يقول بخلق القرآن، وهو لم يكفر المعتصم، ومع ذلك روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وذكر بعض أصحاب السنة: أن الإمام أحمد سئل عن ابن أبي دؤاد.

فقال: هذا رجل كافر بالله العظيم.

فإذا صح هذا عن الإمام أحمد فهو ليس بمشكل؛ لأن القول بخلق القرآن عند السلف كفر لا جدل فيه، أما الواحد ممن قال هذه المقولة فإن تكفيره إنما يكون بحسب العلم بقيام الحجة عليه.

وهذا العلم لا يلزم أن يكون قطعياً، فإنه أحياناً يكون مقاماً من مقامات الاجتهاد.

والنتيجة في ذلك: أن تكفير الإمام أحمد -كمثال- لـ ابن أبي دؤاد -وهذا قاعدة تطرد لكن في سائر ذلك- لا نقول: إنه تكفير قطعي، بحيث يجب على من بعد الإمام أحمد أن يعتقد أن ابن أبي دؤاد كافر كما يعتقد أن فرعون وأبي جهل كافر، بل هذا اجتهاد من الإمام أحمد، قد يكون أصاب فيه، وقد يكون أخطأ فيه، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.

قد يقول قائل: ما وجه خطئه؟

نقول: قد يكون الرجل في حكم الله ليس بكافر.

فإذا قيل: كيف يكون غير كافر وهو يقول بخلق القرآن؟!

قيل: لو كان مجرد القول بخلق القرآن يلزم منه أن يكون كافراً في حكم الله لأجمع السلف على تكفير كل من قال بخلق القرآن ظاهراً وباطناً، وهذا غير حاصل، بل كانوا يرون سواد من يقول بذلك من المسلمين الباغين الظالمين المبتدعين، وإن كان قولهم كفراً.

إذاً: هذه مسألة لابد من ضبطها: وهي أن اجتهاد المجتهد من أئمة السنة لا يلزم بالضرورة أن يكون صواباً، وأهم من هذه القضية لا يلزم أن يكون سنة لمن بعده، وعلى هذا ليس من الحقائق التي يجب التزامها التكفير لـ ابن أبي دؤاد؛ لأن هذه مسألة أولاً لم تتحقق عن الإمام أحمد، ثم لو تحققت فهي اجتهاد، بخلاف تكفير الإمام أحمد للمؤلهة لـ علي بن أبي طالب، فإن هذا تكفير قطعي، وهو معروف قبل وجود الإمام أحمد رحمه الله، بخلاف تكفير ابن أبي دؤاد، فإن تكفيره بعينه لم يكن معلوما قبل الإمام أحمد، وليس هو معلوما من الدين بالضرورة، بل هو تكفير باجتهاد.

والدليل: أن الإمام أحمد رأى أن المعتصم ما قامت عليه الحجة فما كفره، ورأى أن ابن أبي دؤاد قامت عليه الحجة فكفره، وهذا اجتهاد من الإمام أحمد، وقد يكون الأمر في حكم الله مختلفاً.

وقد يكون حكم المعتصم في حكم الله مختلفاً، وإن كان الأصل وظاهر حاله رحمه الله البراءة من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>