للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطأ القول بأن العامة والجمهور ليسوا من أهل السنة]

وعليه: ما يقع فيه بعض الأشعرية أو من ينتصر لمذهبهم ويقول: إن بلاد كذا، وبلاد كذا، وبلاد كذا، وأكثر أمصار المسلمين اليوم أشاعرة، بحجة أن الظاهر في علماء بلدها أنهم أشاعرة، هذا ليس متيناً؛ لأنه ولله الحمد ما من بلد اليوم إلا وفيه علماء من السنة والسلفيين ..

هذه جهة.

الجهة الثانية: لو فرض جدلاً عدم ذلك، فإن العامة قد بقوا على أصل الديانة وأصل الإسلام، ولم يسمعوا بهذه المعارف الكلامية الفلسفية السفسطية

إلخ.

فهذا الباب لابد من إدراكه.

ويقابل ذلك بعض السلفيين أحياناً، حيث يقول: إن السلفية مختصة بمكان كذا وكذا، وأما جمهور الأمصار فهي على البدعة والضلال ..

وهذا أيضاً خطأ وليس بصحيح، بل أمصار المسلمين في الجملة هي على السنة والجماعة، وأكثر ما يغلب على المسلمين هو التقصير في تحقيق الاتباع لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأما التقصد إلى معارضة الكتاب والسنة والخروج عن طريقة السلف، فهذا -في الجملة- ليس مقصوداً للعامة وإن كانوا يخالفون، وفرق بين من اختص بطائفة، وبين من يخالف وهو لم يقصد الخروج عن طائفة أهل السنة والجماعة.

إذاً: لا شك أن أهل السنة والجماعة هم السواد الأعظم، وهم الذين فيهم الأئمة، وهم أئمة الصحابة والقرون الثلاثة، وفيهم المجاهدون، والأولياء

إلى غير ذلك.

فهذا من المسائل التي لا ينبغي أن ينازع فيها، ولا يتكلف في التوهم فيها.

أما أن الأشعرية هم أكثر علماء المسلمين، أو هم جمهور المسلمين

إلخ، فهذا ليس له حقيقة، بل هم طائفة نظرية امتدت بعض القرون، وكثرت في بعض أتباع المذاهب، ولكنها لا يمكن أن تصنف على هذا التصنيف المتكلف، وهي طائفةٌ كا قيل فيها: هي أقرب الطوائف إلى الكتاب والسنة بعد السلف، أو هم أقرب طوائف المتكلمين إلى أهل السنة والجماعة.

أما القصد إلى تقليل الطائفة السلفية -أهل السنة والجماعة- بأي نوع من أنواع القصد فليس قصداً شرعياً ولا قصداً حكيماً ولا قصداً فاضلاً.

وهذا القصد إما أن يقع فيه بعض الأشاعرة وهذه فكرة قديمة عند الأشاعرة أو يقع فيه بعض طلبة العلم السلفيين الذين لم يكتملوا، وذلك حين يبالغون في تقييد المذهب السلفي بتقييدات كثيرة، ويجعلون من خرج عن هذه التقييدات ليس سلفياً، وكنتيجة لهذا: فعلاً يصبح الأكثر من المسلمين ليس سلفياً، ولا من أهل السنة والجماعة، إنما قد يقال: عنده سنة، ولكن عنده بدعة

إلخ.

فهذا التضييق ليس مقصوداً.

وإذا قيل: لم لم يكن مقصوداً؟ هل لكون النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (هي السواد الأعظم) فإنه قد يقال: هذا الحرف لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث؟

فيقال: كلا، لا يقصد إلى تضييقه لهذا الحرف، إنما لأن المراد من الطائفة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله) هذه الطائفة التي على الحق هي طائفة أهل السنة والجماعة، هم السلفيون ..

ومن أسماء هذه الطائفة التي تقال في حقهم هم أهل الإسلام حقاً.

وقد يقول قائل: إن المراد بالحق في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق) يراد به السلفية، نقول: أجل من كلمة السلفية كلمة الإسلام، فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:١٢٨].

وقد يقول البعض: إذا سُميت باسم الإسلام؛ فإنه يشمل جميع المسلمين من أهل السنة وأهل البدعة.

قيل: هذا يستدعي قدراً من التمييز كاسم أهل السنة والجماعة، لكن هذا لا يستدعي هجران الاسم الأول، ولا يستلزمه، والدليل على ذلك أن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عظما اسم الإسلام، مع أن اسم الإسلام كان يدخل فيه زمن النبوة المنافقون الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ} [النساء:١٤٥] وقد قال شيخ الإسلام: "وقد اتفق العلماء على أن المنافقين يدخلون في اسم الإسلام إذا ذكر".

إذاً كون هذا الاسم يدخل فيه قوم ليسوا أهلاً له أمر لم يظهر بظهور البدع، بل هو موجود حتى في زمن النبوة من جهة اسم النفاق؛ ولهذا كان المقصود بأهل السنة المحققين للإسلام حقاً، وكما أن فيهم المحقق القاصد فيهم الظالم لنفسه، وفيهم المقتصد، وفيهم السابق بالخيرات.

ولهذا لا ينبغي أن يضيق هذا الاسم بحال من الأحوال، بل كل من اعتبر الكتاب والسنة وأخذ بإجماع الصدر الأول، فهذا يعد من أهل السنة والجماعة، وليس هناك شروط لسلفيته يجتهد فيها المجتهدون، أو يتكلف فيها أحياناً بعض أصحاب الردود والمخالفات والمناقشات التي لا معنى تحتها ولا حقيقة.

[وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء، ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريباً من مبلغ الفرقة الناجية، فضلاً عن أن تكون بقدرها، بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة، وشعار هذه الفرق: مفارقة الكتاب والسنة والإجماع].

هذا من فقه شيخ الإسلام، مع أنه رحمه الله جاء في القرن السابع وأدرك من القرن الثامن، وقد كان المذهب الأشعري هو الغالب في -إن صح التعبير- الدوائر الرسمية في الدولة الإسلامية آنذاك، أي هو الممثل الرسمي للدولة إذ ذاك من جهة القضاء ومن جهة الفتيا، فكان كبار أئمة الشافعية خاصة على المذهب الأشعري، فمعَ هذا الانتشار وهذا الشيوع في بعض الفترات وبعض المراحل من القرون الإسلامية، إلا أن شيخ الإسلام كان يقرر هذه الحقيقة: أن أهل السنة هم السواد الأعظم، وأن الطوائف هم أهل الشذوذ والابتداع والافتراق، وهم في الغالب على قدر من القلة

إلى غير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>