للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجود النفاق عند بعض أهل البدع كالرافضة والجهمية]

[وقد ذكر الله الكفار والمنافقين في غير موضع من القرآن، كقوله: {وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:١] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:١٤٠] وقوله: {فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحديد:١٥] وعطفهم على الكفار ليميزهم عنهم بإظهار الإسلام، وإلا فهم في الباطن شر من الكفار كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ} [النساء:١٤٥]].

ولذلك: قد تجرى أحكام الإسلام على بعض أهل البدع، وهو في حكم الله سبحانه وتعالى شر من كثير من الكفار الظاهري الكفر، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أجرى جملة من أحكام الإسلام الظاهرة على المنافقين، مع أن المنافقين في كثير من مواردهم شرٌ من الظاهري الكفر.

[وكما قال: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة:٨٤]، وكما قال: {قُلْ أَنفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:٥٣ - ٥٤] وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر].

وهذه حقيقه شرعية وسلفية لابد من فقهها.

[ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية].

"في الرافضة والجهمية" لأن هاتين الطائفتين بنيتا على أصول خارجة عن مادة الإسلام؛ فإن القدماء من الجهمية لم يكونوا على شيء من آثار الأنبياء والمرسلين، وإنما أدخلوا الفلسفة بما سموه علم الكلام، ومن المعلوم أن الفلسفة موجودة قبل الإسلام؛ فإن أرسطو طاليس -وهو يعتبر من مفاخر الفلاسفة- قبل المسيح ابن مريم عليه السلام بثلاثمائة سنة.

وهذه الفلسفة تقوم على الإلحاد في الغالب، ولا يوجد -أساساً- عند أصحابها قصد لمسائل التوحيد، ومن يقصد منهم مسألة التوحيد فإنه يعتبرها اعتباراً مخالفاً للتوحيد المذكور في ديانة الرسل، فقد يثبت بعضهم واحداً تصدر عنه الأشياء، لكنه ليس الرب الخالق المالك المعبود

إلخ.

وبعضهم -أساساً- لا يقصد إلى ذكر مسألة الفردانية أو الوحدانية، بل يقوم على تعدد القدماء وما إلى ذلك.

أما علم الكلام فهو علم لم يكن موجوداً بهذا الاسم قبل الإسلام، وقد اخترعه جماعة من النظار المنتسبين للإسلام من العجم، حيث إن الأمصار التي فتحت زمن عمر وما بعده كأعالي العراق وبلاد فارس، لم تكن كجزيرة العرب، فقد كان يسكن جزيرة العرب قوم -كما وصفهم الله في القرآن- أميون، بخلاف أهل تلك البلاد فهم أصحاب ثقافات وفلسفات، كالفلسفات الفارسية

وغيرها، فكان لهذه البلاد امتداد فلسفي عريق في التاريخ في قرون قبل الإسلام، وكحكم عام على هذه الفلسفات هي كفر وإلحاد.

وقد أسلم أهل هذه البلاد في الجملة، لكنهم لم يسلموا إسلاماً محققاً تاماً، وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الأعراب: {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤] وهذا السياق أولى به أهل العراق وأهل فارس وما إلى ذلك، قال شيخ الإسلام: "وهذه الأمصار -من العراق والأمصار العجمية- وإن أسلمت بالفتح الإسلامي إلا أنه بقي في كثير من أهلها بقية من النفاق، ولكنه من النفاق العلمي، وعن هذا اخترعوا ما يسمى بعلم الكلام".

ما هو علم الكلام؟

الذي في كتب التعاريف -حتى في مقدمة ابن خلدون - أنه الاستدلال على العقائد الإيمانية بالحجج العقلية.

والحقيقة أن علم الكلام ليس قضية عقل أو عدم عقل، فإنه لم يمنع ذكر العقل في القرآن، بل لقد ذكر حجةً على الهداية: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١٠].

إنما تعريف علم الكلام: أنه علم مُولدٌ من الفلسفة، فأصوله وجوهره مادة فلسفية خارجة عن مبادئ الإسلام، وجملة من مقدماته هي مقاصد كلية من العقل أو مقاصد كلية من الشريعة، ولكن جوهره ومعتبر النتائج فيه: هي الفلسفة.

إذاً نقول: علم الكلام علم مُولد.

ومعنى أنه مولد أي: ليس فلسفة محضة ولا بريئاً من الفلسفة.

فهو ليس فلسفة محضة؛ وهذا يظهر في أن المتكلمين سبوا الفلاسفة وكفروهم، ومثال ذلك: الغزالي، فهو متكلم ومع ذلك يكفر المتفلسفة كـ ابن سينا وغيره.

وأصل علم الكلام من أئمة الجهمية، ثم دخل على كثير من الطوائف، حتى من المتسبين للسنة كـ أبي الحسن وأمثاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>