للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم تكفير شيخ الإسلام للرافضة]

أنبه هنا إلى أن الإمام ابن تيمية وهو يقرر هذا الكلام وينتصر له، توجد له بعض الأحرف في كتبه أخذ منها بعض الباحثين والناظرين في هذه المسألة أنه يجعل الرافضة من الطوائف التي استقر تكفيرها، وهذا غلط في فهم كلام شيخ الإسلام رحمه الله، فإن هذا الاسم الذي أطلق على الشيعة الإمامية أما أن يحتمل أنه في أصول عامة كمسألة سب الصحابة رضي الله عنهم، والطعن على أبي بكر وعمر وأمثالهم، فهذه مسألة إذا قيل: هل هي كفر أو ليست بكفر؟

قيل هنا مقامان:

المقام الأول: مقام أن هذا القول كفر في نفس الأمر.

المقام الثاني: مقام التكفير للأعيان، ومقام التكفير للأعيان ينضبط بحسب مرادات المتكلم بهذه البدعة، فمن سب أبا بكر من جهة أنه جحد أموال آل البيت، وغصبها وأنه لم يعطهم الخمس كما أوجب الله لهم في كتابه.

فإننا نقول: هذا الطعن بدعة وهو حرام، ومنكر، منكر، لكن هذا الطعن لا يكفر صاحبه ويخرج به من الملة.

ومن قال: بلى يكفر، من باب الغيرة لـ أبي بكر.

نقول: هذا خطأ؛ لأن علياً والعباس تنازعا عند أبي بكر كما في الصحيح، وقال العباس عن علي عند عمر رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا الكاذب، الآثم، الغادر، الخائن.

ثم قال عمر رضي الله عنه: فرأيتماه -أي: أبا بكر - كاذباً، آثماً، غادراً، خائناً، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق"، وقد تخلف علي بن أبي طالب عن البيعة ستة أشهر بسبب قضية الخلافة وقضية أموال آل البيت، وكذلك فاطمة رضي الله عنها لم تكلم أبا بكر حتى توفيت، ولم تكن رضي الله عنها عندها قضية في الخلافة، بل كانت متمسكة بمسألة مال أبيها صلى الله عليه وسلم، فقد أرسلت إلى أبي بكر تسأله الميراث من أبيها، فقال أبو بكر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) لكنها لم تقتنع بهذا.

إذاً: من تكلم في شأن أبي بكر من الشيعة، وقيل له: ما وجه كلامك في أبي بكر، فقال: لأنه لم يعط آل البيت حقهم، ولأنه ظلمهم.

نقول: هذا القول لا شك أنه ضلال؛ لأن أبا بكر كان على سنة وعلى هدي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) فـ أبو بكر كان على سنة.

لكن هل هذا الطعن والسب لـ أبي بكر يوجب الكفر والخروج من الملة؟

الجواب: لا، ومن يقول: انتصاراً أو غيرةً.

نقول: هذا ليس على تحقيق لا شرعي ولا سلفي، فإنه لا أحد من أئمة السلف قال هذا، حتى المتأخرون كـ شيخ الإسلام ابن تيمية ينص على أن هذا ليس موجباً للتكفير، وكذلك المعاصرون الذين بعد شيخ الإسلام وأجلهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فقد نص الشيخ محمد بن عبد الوهاب على أن من سب الصحابة بمثل هذا الموجب ليس كافراً.

إذاً: هذه مسألة لا ينبغي التقدم فيها إلى أن مجرد سب واحد من الصحابة يكون كفراً يخرج به صاحبه من أهل القبلة ومن ملة المسلمين.

لكن من سب الصحابة من باب الطعن في ديانتهم، أو من باب الطعن في صحبتهم لرسول الله، أو لكونهم أصحاباً لمحمد صلى الله عليه وسلم، أو لأن الرسالة لم تكن لمحمد وإنما كانت لـ علي فجاء بها جبريل لمحمد ..

فهذه المبادئ التزامها والقول بها كفر.

إذاً: السب يختلف موجبه؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم سب بعضهم بعضاً في بعض حالات الغضب بينهم، فقد طعن علي والعباس على أبي بكر طعناً معروفاً في أول الأمر، ثم رجعوا عن طعنهم، وكذلك طعن علي على العباس، وطعن العباس على علي، ولم يكن هذا من باب الكفر المخرج من الملة.

إذاً: مثل هذا الطعن على أبي بكر رضي الله عنه، وإن كان منكراً من القول وزورا، ولا شك أنه ظلم وتعدي على إمام الصحابة، وسيد هذه الأمة بعد نبيها وهو الصديق رضي الله عنه، إلا أن مسألة التكفير بهذا لم يصرح بها إمام سلفي، وإنما صرح بها بعض المبالغين في الرد على الطوائف، والذين يرون أن الرد على الطوائف إنما يكون بدايةً بتكفيرهم.

وهذا خطأ؛ فإن مسألة ديانات الناس، وعقائد الناس، مسألة عظيمة، فلا يجوز القول بكفر شخص إلا حيث علم كفره، ولا يجوز القول بإسلام شخص إلا حيث علم إسلامه، ومن تُردد في شأنه وُكِل أمره إلى الله.

فإن قيل: فظاهره؟

قيل: ظاهره بحسب ما يظهر، إن أظهر الشعائر أجريت عليه أحكام المسلمين، كما أجرى الرسول صلى الله عليه وسلم بقضاء الله أحكام المسلمين على المنافقين.

وإن قيل: في الآخره؟ قيل: الآخرة ليست لأحد، لا لزيد ولا لعمر، بل حكمها إلى الله، والله سبحانه وتعالى يعلم ما في الصدور، وما يوافي العبد به ربه سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان قد يقول قولاً كفراً ولا يكون به كافراً كما سيأتي تفصيل المصنف في هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>