للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتعقِّبون لكلامه بأنَّ حِكايته لهذا الوجهِ على هذا المَهيَع (١) باطلةٌ من وجهين:

أحدهما: أنَّه إذا كان مُعلَّلاً بنَفعِه لبعض الأمراض فينبغي تقييدُ الإباحة لِمَن به ذلك المرض دُون غيره، فإطْلاق حِكايته غَلَطٌ فاحش.

الثاني: إذا أُبِيحَ لحاجة المرض فلا ينبَغِي أنْ يقتَصِرَ على حِكايته وجهًا، بل يحرم بِجَوازِه [ز١/ ٣٠/أ] كما يجوزُ التَّداوِي بالنَّجِس، وقد جزَم الحليميُّ فِي "منهاجه" بأنَّ آلات اللهو إذا كانت تنفَعُ من بعض الأمراض أُبِيحَ سماعها، قال ابن العماد: والذي قاله مُتعين، انتهى.

والحاصل أنَّه متى شَهِدَ طبيبان عدلان أنَّ هذا المرض بِخُصوصه ينفَع فيه العُود وانحصَر النفع بأنْ لم يوجد دَواء حَلال ينفَع فيه غيره جازَ استِماعُه ما دام ذلك المرض باقيًا، كما صرَّحوا بذلك فِي التداوي بالنَّجِسِ - غير محض الخَمْر - فإنَّه يجوز عندنا بهذه الشُّروط التي ذكرتها، وإذا وُجِدتْ أبيح العُود حينئذٍ للضرورة كما يُباح أكل الميتة للمضطرِّ، وحينئذٍ فلم يتحقَّق لنا وَجْهُ قائلٍ لجواز العُود على إطلاقه.

وأمَّا ما حَكاه ابن طاهر من إجماع أهل المدينة فهو من كَذِبه وخُرافاته؛ فإنَّه - كما مرَّ - رجلٌ كذَّاب يَروِي الأحاديث الموضوعة ويتكلَّم عليها بما يُوهِم العامَّة صحَّتها، كما مرَّ فِي مبحث الغناء والرقص، وأيضًا فهو مُبتدِع إباحي لا يُحرِّم قليلاً ولا كثيرًا؛ ومن ثَمَّ قال بعضهم فيه: إنَّه رجسُ العقيدة نجسُها، ومَن هذا حالُه لا يُلتَفتُ إليه ولا يُعوَّل عليه؛ ومن ثَمَّ قال الأذرعي عَقِبَ حكايته الباطلة الكاذبة عن إجماع أهل المدينة وعَن الشيخ أبي


(١) المَهْيَع - من الطُّرُق -: البيِّن، وقِيل: وهو الطريق الواسع الواضح؛ "جمهرة اللغة"؛ لابن دريد، "المعجم الوسيط".

<<  <   >  >>