للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قريبٍ [ولا بعيدٍ أنَّه مجتهد، وكم أخَذ الشافعي عن غير مجتهد] (١) وروى البخاري عن جاهلٍ بمراتب الاجتهاد فضلاً عن التحلِّي بها، فذِكْرُ ذلك غَباوةٌ محضة، وقوله: وهو إمام مجتهد، [هذا كذبٌ] (٢) منه؛ لأنَّه إذا تعارَض قول هذا: إنَّه مجتهد، [وقول القرطبي: إنَّه غير مجتهد] (٣) مَن الذي يُعتَمد قوله من الرجلين؟ [فشتَّان] ما بينهما، لا سيَّما وهذا الرجل أمَر فِي هذا الكتاب بمتابعة خبيثَيْن مبتدعَيْن كذابَيْن: ابن حزم، وابن طاهر، كلُّ ذلك [لتَرُوج] (٤) مَقالته الفاسدة وشُبهته الكاسدة، وتأمَّل مُجازَفته ووُقوعه فِي حقِّ كلِّ العلماء بحِكايته عن إبراهيم بن سعد هذا أنَّه لما ضرْب بالعُود بين يدي هارون، قال له: يا إبراهيم، مَن قال بتحريم هذا [ز١/ ٣٢/ب] من عُلَمائكم؟ قال: مَن ربَطَه الله - تعالى - يا أمير المؤمنين)) (٥)، ا. هـ.


(١) سقط من (ز٢).
(٢) في (ز١): هل أكذب، والمثبت من (ز٢).
(٣) سقط من (ز٢).
(٤) في (ز١): لتدرج، والمثبت من (ز٢).
(٥) هذه القصة ذكرها الصفدي في "الوافي بالوفيات"، وابن منظور في "مختصر تاريخ دمشق"، والخطيب في "تاريخ بغداد"، والذهبي في "تاريخ الإسلام"، والسخاوي في "التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة"، كلهم في ترجمة إبراهيم بن سعد، قال الصفدي: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف المدني، كان من العلماء الثقات، وَلِيَ قضاء المدينة وكان أبوه قاضيها، وكان إبراهيم أسودَ اللون، قدم بغداذ فأكرَمَه الرشيد وأظهر برَّه وسُئِلَ عن الغناء فأفتى بتحليله، وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه فسمعه يتغنَّى فقال: لقد كنت حريصًا على أنْ أسمع منك فأمَّا الآن فلا أسمع منك، فقال: إذًا لا أفقد إلا شخصك وعليَّ إنْ حدثت ببغداذ حديثًا حتى أغنِّي قبله، وشاعت عنه هذه ببغداذ وبلغَتِ الرشيد فدعا به وسأله عن حديث المخزوميَّة التي قطعها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في السرقة، فدعا بعود، فقال الرشيد: أعود البخور؟ فقال: لا، ولكن عود الطرب، فتبسَّم ففهمها إبراهيم بن سعد فقال: لعلَّك بلغك يا أمير المؤمنين حديث السَّفِيه الذي آذاني بالأمس وألجأني إلى أنْ حلفت؟ قال: نعم، ودعا له بعود فغناه:
يَا أُمَّ طَلْحَةَ إِنَّ الْبَيْنَ قَدْ أَزِفَا = قَلَّ الثِّوَاءُ لَئِنْ كَانَ الرَّحِيلُ غَدَا
فقال له الرشيد: مَن كان من فُقَهائكم يكرَه السماع؟ قال: مَن ربطه الله، قال: فهل بلغك عن مالك في هذا شيء؟ قال: أخبرني أبي أنهم اجتمعوا في بني يربوع في مدعاة وهم يومئذٍ جلةٌ ومعهم دُفوف ومَعازف وعيدان يغنون ويلعبون ومع مالك دفٌّ مربع وهو يغنيهم:
سُلَيْمَى أَجْمَعَتْ بَيْنَا = فَأَيْنَ لِقَاؤُهَا أَيْنَا
الأبيات الثلاثة، فضَحِكَ الرشيد ووَصَله بمال، رواها غيرُ واحدٍ عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصفار، وروى له الجماعة كلهم، وتُوفِّي سنة ثلاث وثمانين ومائة.

<<  <   >  >>