فتصوير المثل هنا يهدف إلى مدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودور الرسول في تربيتهم، تربية روحية وسلوكية معا، وقد جسّدت هذه التربية النموذجية، بذكر أوصافهم في التوراة، دون الاعتماد على التشبيه، حتى لا يوحي التشبيه بمجرد المشابهة بين طرفيه، وإنما الصورة هنا توحي بحقيقتهم، وواقعهم العملي كما هو.
وتتقابل الصفتان الشدّة والرحمة في شخصية المسلم، صفة الشدّة على الكفّار، والرحمة واللين بين المؤمنين، بالإضافة إلى السمة الأساسية وهي العبادة لله، والركوع والسجود له دون سواه.
ويركّز التصوير في المثل على الصفات الحسية والمعنوية التي يتحلّى بها الصحابة، فسمات العبادة والإيمان واضحة في قسمات الوجوه والنواصي، وصفات الخير مجسّدة في سلوك عملي ظاهر، لأن النفس الصافية، يظهر أثرها في نقاء الشكل ووضاءته أيضا:
سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ فالعلاقة بين الظاهر والباطن قويّة واضحة، فلا يمكن أن نفصل بين باطن الإنسان وظاهره، أو بين سلوكه وعقيدته، فالسلوك الظاهر، يدلّ على جوهر الإنسان ومعدنه.
وهكذا تتفاعل الصفات الحسية والمعنوية في تصوير المثل، وتترابط فيما بينها للإيحاء بهذا المعنى الذي يعدّ من قواعد الدين الأساسية.
أما مثلهم في الإنجيل فجاء معتمدا على تشبيه الصحابة بالزرع النامي بسرعة عجيبة، وتهدف هذه الصورة إلى إبراز التفاف الصحابة حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ومؤازرتهم له ومناصرتهم لدعوته، حتى قوي الإسلام، واشتد عوده، وتكاثرت الأمة الإسلامية، ونمت وترعرعت في كيان موحد، كالزرع الذي أخرج شطأه، فنمت أعواده الصغيرة على جانبيه، وتكاثرت وتآزرت حتى قوي الزرع، واستوى قائما شديدا. وصورة الزرع الحسية بمراحل نموه، تشبه صورة المؤمنين، ومراحل نموّهم من