لهم وجود قوي يتحدّى الرياح والعواصف، وهذا الوجود القوي يعجب الزرّاع الذين أسهموا في نموه ورعايته وحراسته ويغيظ الكفّار الذين لا يريدون أن يصبح للإسلام كيان قوي.
يقول الزمخشري في تفسيره:«وهذا مثل ضربه الله لبدء أمر الإسلام، وترقيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده، ثم قواه الله بمن آمن معه كما يقوي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها، ممّا يتولد منها حتى يعجب الزرّاع»«١٩».
وبعد استكمال عناصر تصوير المثل، واستحضار صورة الممثل له في الذهن، حتى أصبح المثل مطابقا للممثل له، جاء التعقيب على هذا التصوير بقوله لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وكأن هذا التعقيب هو بمثابة توضيح الغرض من تصوير المثل، وهذه هي الطريقة المتبعة في تصوير الأمثال القرآنية فبعد تصوير المثل والانتهاء منه، يعود التعبير القرآني إلى الممثل له، ويتابع الكلام عنه، ويترك صورة المثل لتبرز القضايا الأساسية من تصويره.
ومثل قرآني آخر يرتبط بهذه المجموعة من الأمثال. ويتفاعل معها في توضيح معالم المؤمنين وسماتهم، والمثل هنا يضرب للمؤمنين بالمؤمنين السابقين الذين تحمّلوا مسئولية الدعوة، فتعرّضوا للشدائد والمحن، وهم صابرون صامدون، دون انحراف عن الطريق السوي الذي رسمه الله لهم. يقول الله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ البقرة: ٢١٤.
ويعتمد تصوير المثل على الاستنكار أولا من تصورهم أن يدخلوا الجنة، دون دفع الثمن في الصبر على الابتلاء والشدائد، أو دون أن يخضعوا لسنة الله في الابتلاء لتمحيص المؤمنين، وتنقية صفوفهم، ومعرفة مدى صبرهم على هذه الدعوة، ثم يستحضر المثل المصوّر في أذهانهم، صورة المؤمنين السابقين لهم الذين تعرّضوا لشتى أنواع الابتلاء من قتل وتشريد وتعذيب حتى زلزلوا زلزالا حسيا ومعنويا، ولكنهم ظلّوا متمسكين بالإيمان، لا يحيدون عنه.
ويجسّم التصوير شمول المعاناة للرسول والمؤمنين معه، زيادة في إيضاح شدة الابتلاء، ثم يستمر التصوير للمعاناة الشاملة، فيجسّمها بالاستفهام «متى» التي توحي باستبطاء