للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النصر، ومعاناة النفوس من هذا الإبطاء، كما أن التصوير يرسم أهوال الابتلاء النفسي والحسي معا بقوله: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ... كما رسمه من قبل في صورة الاستفهام الموحي.

والزلزلة بجرسها الشديد، ترسم زلزلة الأجسام، وما تعرضت له من قتل وتعذيب، وزلزلة النفوس المصاحبة لزلزلة الأجسام، وشعورها باليأس وإبطاء نصر الله ...

ثم يأتي التعقيب على التصوير بقوله: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ. وهو جواب على الاستفهام السابق وقد جاء مؤكّدا بمؤكّدات عدّة مثل ألا وإنّ، والجملة الاسمية الموحية بالثبات والاستقرار.

وهذا التعقيب، يتناسق مع طريقة تصوير الأمثال القرآنية، حيث يترك المثل في نهاية التصوير، وتبرز القضايا الدينية التي يجب أن يتعلق بها المؤمن. فالنصر هو من عند الله سبحانه، وإضافة النصر إلى الله في التعبير القرآني لها دلالتها النفسية وأهدافها التربوية والتوجيهية التي يحرص المثل القرآني على ترسيخها وتوضيحها.

والمجموعة الثانية للأمثال مرتبطة بالكافرين، وهي تتفاعل مع المجموعة الأولى عن طريق «التضاد» لإبراز الفوارق بين المجموعتين في النواحي الفكرية والشعورية والسلوكية.

كما أنّ هذا التفاعل بالتضاد يبرز وحدة النص القرآني في التصوير والتأثير والتعبير بعلاقات مختلفة كالتضاد أو التناظر ونحوهما، وتصوير الأمثال في هذه المجموعة، يتضمن أدلة عقلية، على بطلان عقيدة الكفر، وزيف عبادة المشركين، وضياع أعمالهم، كما يبيّن عقيدة التوحيد، وأثرها في النفس الإنسانية والحياة البشرية، ويقيم الأدلة البرهانية على عقيدة التوحيد.

وهذا التصوير للكفر والكافرين، يشغل حيّزا واسعا في الأمثال القرآنية، لأن قضية الإيمان والكفر هي القضية الأساسية، التي يعالجها القرآن الكريم بأساليب شتّى.

وقد تنوّع تصوير الأمثال لهذه القضية، حتى استوفاها من جميع جوانبها، موضحا بطلان عقيدة الكفر وزيفها، وعجز آلهتهم المزعومة عن خلق الذباب الحقير، ولو كانوا مجتمعين عليه، يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ

<<  <   >  >>