وهذا التصوير للعجز عن خلق الذباب الحقير «يلقي في الحس ظلّ الضعف أكثر مما يلقيه العجز عن خلق الجمل والفيل دون أن يخلّ هذا بالحقيقة في التعبير»«٢٠».
ويتدرّج تصوير عجزهم عن خلق هذه الذباب، في السياق القرآني، ويتفاعل التصوير مع التعبير في داخل السياق، لإيضاح هذه الحقيقة فهذه الآلهة عاجزة عن خلق الذباب وهي منفردة، كذلك وهي مجتمعة، ويترك للخيال أن يستحضر صورة الآلهة المزعومة، تجتمع على خلق ذباب حقير، وترتدّ عنه عاجزة ضعيفة، وهذا التصوير لها، فيه منتهى التحقير والسخرية من هذه الآلهة الضعيفة العاجزة، ثم يمضي تصوير المثل لإبراز العجز في صورة أخرى، أكثر سخرية وإضحاكا وتحقيرا لهذه الآلهة، التي تعجز عن دفع الذباب عنها، أو في استرداد ما سلبها الذباب إياه، ويتابع الخيال هذه الحركة التخيلية للذباب، وهو يجتمع على هذه الآلهة المزعومة، وهي لا تقوى على ردّه، وصورة الذباب المجتمع فوقها توحي بالتحقير من شأنها، كما أن تصوير الآلهة وهي تطارد الذباب لاسترداد ما سلب منها، حركة تخيلية، توحي بالسخرية من هذه الآلهة العاجزة الضعيفة في جميع الحالات.
وهكذا تتواصل الصور في داخل المثل الواحد، وتتفاعل في السياق، لإبراز الفكرة الأساسية، التي هي موضوع المثل. وبعد استكمال تصوير المثل جاء التعقيب بحكم عام يشمل الممثل والممثل له على السواء ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ وهذا التعقيب يعدّ الإطار العام لفكرة المثل وبيان فحواه.
ويتواصل تصوير الأمثال في هذه المجموعة في رسم الملامح المميّزة لها، وكشف زيفها، وبطلان تصوراتها فهذه الآلهة المزعومة التي تعجز عن خلق الذباب الحقير، غير جديرة بالعبادة، وطلب الحماية منها، والذين يتوجّهون إليها بالعبادة، وطلب النصرة منها، يتعلقون بخيوط واهنة ضعيفة أوهن من خيوط العنكبوت يقول الله تعالى فيهم مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ العنكبوت: ٤١ - ٤٣.