فهؤلاء الذين يتخذون من دون الله أولياء، طلبا للحماية والنصرة، أو لدفع الضر عنهم، هم أشبه بالعناكب، التي تنسج خيوطها الواهنة الضعيفة لتحتمي بها، فهم في ضعفهم، كالعناكب في ضعفها، وهم في تصوراتهم وأوهامهم، كالعناكب في احتمائها ببيوتها الواهية الضعيفة، فالممثل به هنا ينطبق تماما على الممثل له. فالاحتماء ببيت العنكبوت ضرب من الأوهام، كما أن اتخاذ أولياء من دون الله وهم من الأوهام.
وبعد استكمال التصوير للمثل، عقب عليه بقوله: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ جريا على طريقة تصوير الأمثال القرآنية في ترك المثل بعد استكمال تصويره، والعودة لإبراز الفكرة الدينية الأساسية التي هي مغزى المثل وفحواه. وهنا عاد إلى الممثل، أي المشبه لتوضيح بطلان تصورات الذين يتخذون من دون الله أولياء، ثم يستمر التعبير القرآني بعد التعقيب على المثل بتوضيح الفكرة الدينية، والإلحاح عليها، لأنها المغزى أو الهدف من تصوير هذا المثل، وضربه للناس. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فالله يعلم أنّ ما يتخذونه من دونه من أولياء، لا تأثير لهم في الناس ولا في الحياة والذين لا يدركون هذا المغزى من تصوير المثل، لا يعقلون ولا يعلمون الحقائق من وراء تصوير الأمثال: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ.
وهكذا يتفاعل التصوير والتعبير في توضيح الفكرة الدينية، وإبرازها للعيان، ضمن نظام العلاقات التصويرية والتعبيرية والفكرية في النسق القرآني المعجز.
ويتواصل التصوير ضمن هذه المجموعة من الأمثال، بترابط الأمثال فيها، وتفاعلها، ونموّها لتكوين صورة مميّزة للكافرين، فهم أشبه بالبهائم التي لا تعي شيئا، لأنهم لا يدركون الحقائق المعروضة في تصوير الأمثال، فإذا كانوا لم يدركوا عجز آلهتهم، ولم يعرفوا أن الاحتماء بغير الله لا يفيد، فقد استحقّوا هذا الوصف بالبهائم، التي لا تعقل الوارد في قوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ البقرة: ١٧١.
فهذه الصورة البشعة تليق بالكافرين، الذين يسمعون الهدى، ولا يفهمونه، ولا ينتفعون به، فمثلهم كمثل البهائم التي تسمع صوت المنادي دون أن تعرف مراده، أو تدرك غاية النداء «٢١».