فهذه القرية التي ضربها الله مثلا، لكل قوم بطروا النعمة، وكفروا بالله المنعم، الذي أنعم عليهم بشتى أنواع النعيم، فاستحقوا بذلك الحرمان منها، والحرمان من الأمن والرخاء.
فالعلاقة بين الحرمان والبطر علاقة وثيقة، في داخل السياق وخارجه، فكما ترتّب الحرمان على بطر النعمة في العلاقة السياقية الملحوظة في التعبير القرآني، كذلك يترتّب أيضا خارج السياق، حين يكون الحرمان واقعا ملموسا بعد أن يتجسّم البطر في سلوك محسوس أيضا.
ويعتمد تصوير المثل على استعارة الإذاقة لمس الضر والشدة، وهي استعارة مألوفة لدى الناس، واستعير أيضا اللباس لما يغشى الإنسان من حالات الخوف الشديد الذي يحيط به من كل جانب إحاطة اللباس بلابسه، وبذلك يصبح المحسوس الملموس، مذاقا مطعوما.
يقول الزمخشري في توضيح هذه الصورة:«فإن قلت: الإذاقة واللباس استعارتان فما وجه صحتهما؟ والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار فما وجه صحة إيقاعها عليه؟ قلت: أما الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد، وما يحس الناس منها، فيقولون ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب، شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر البشع، وأمّا اللباس فقد شبه به لاشتماله على اللابس ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث، وأمّا إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف فلأنه لما وقع عبارة عمّا يغشى منهما، ويلابس فكأنه قيل فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف»«٢٢»، ويوحي تصوير المثل على هذا النحو، بالإحاطة والشدة، لتحقيق الأثر النفسي في التخويف والإنذار من سوء عاقبة البطر، والكفر بنعم الله.
ثم يأتي التعقيب على التصوير موضحا المغزى من المثل المضروب وذلك في قوله: بِما كانُوا يَصْنَعُونَ. فيعود من جديد إلى الممثل له وهم أهل القرية لربط العقاب الشديد بأسبابه الموجبة له.
ويرى سيد قطب في تصوير المثل تداخل الحواس أو تراسلها في تحقيق الأثر الديني يقول: «ويجسّم التعبير الجوع والخوف، فيجعله لباسا، ويجعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقا، لأن الذوق أعمق أثرا في الحس من مساس اللباس للجلد، وتتداخل في التعبير استجابات