الحواس، فتضاعف مسّ الجوع والخوف لهم ولذعه وتأثيره، وتغلغله في النفوس، لعلهم يشفقون من تلك العاقبة التي تنتظرهم» «٢٣».
ويميل تصوير الأمثال إلى التنويع في بيان بطلان أعمال الكافرين، وخسرانهم في الآخرة كقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ إبراهيم: ١٨.
فالصورة في هذا المثل القرآني تجسّم أعمال الكافرين بالرماد المتجمّع بعضه فوق بعض، ثم تأتيه الريح الشديدة في يوم عاصف، فنسفته، وبدّدت ذرّاته في كل اتجاه، حتى لم يبق منه شيء، وكذلك أعمال الكافرين ضائعة لا تفيدهم يوم القيامة مثل الرماد المتناثر لأنها لا تقوم على الإيمان الذي يمنح الأعمال قيمة وفائدة.
وهناك أيضا تصوير لأعمال الكافرين الضائعة في مثل آخر، يقول تعالى: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ آل عمران: ١١٦ - ١١٧.
والصورة هنا مستمدة من الزروع في ضرب المثل لقوم أنفقوا أموالهم في أرض زراعية رعوها رعاية تامة بالزرع والمياه، حتى نما الزرع، ودنا وقت الحصاد، وهم فرحون مستبشرون يعلقون عليها الآمال، إذا ريح باردة فيها صرّ، تهلكه وتبيده، فتضيع كل جهودهم في تلك الأرض.
فالصورتان في هذين المثلين، مترابطتان، في بيان ضياع أعمال الكافرين، والتركيز فيهما على تصوير الأعمال لا على الكافرين. كما يلاحظ أن الريح فيهما هي أداة التصوير في بعثرة الرماد، ونثره في كل اتجاه كما في المثل السابق، وهي أيضا أداة التدمير للزروع في هذا المثل.