للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ النور: ٣٩ - ٤٠.

والتصوير هنا يعبر عن ضياع أعمال الكافرين في الآخرة، وعدم الآخرة، وعدم استفادتهم ممّا أنفقوه في طريق الخير، ولكن التصوير هنا، يركّز على شخصية الكافر، فيبرزها، ويلقي الضوء عليها إلى جانب تصوير الأعمال.

فالأعمال كالسراب الخادع، يراه الظمآن من بعيد، فيظنه ماء، وهو بحاجة إليه، ليطفئ ظمأه فيجري نحوه مسرعا، ولكنه لا يجده كما ظنّ، وخاب أمله فيه، فيلقى ربّه ليحاسبه على أعماله، وبعد استكمال تصوير المثل لحالة الكافر الواهم المخدوع بما قدم من أعمال جاء التعقيب وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ لإبراز الغرض الديني من تصوير المثل، وهو بمثابة المغزى لهذا المثل.

ثم عقّب على هذا المثل بمثل آخر، وإذا كان التصوير في المثل الأول، ركّز على السنا الكاذب، في السراب الخادع في الصحراء، فإنه في المثل الثاني، يركّز على ظلمات البحر اللجي، تتلاطم أمواجه، وتغطيه السحب الكثيفة، ويغطّيه أيضا ظلام الليل، حتى تنعدم الرؤية البصرية في هذه الظلمات المركّبة بحيث لو أخرج يده لم يكد يراها من هذا الظلام الشديد.

ويبرز التقابل في المثلين بين عناصر التصوير، لاستيفاء تفصيلات المعنى، فالسراب في المثل الأول يوحي بالخراب والأوهام، والكافر يجري وراء السراب أو الأوهام، والظلمات المتراكمة من البحر والسحاب وظلام الليل توحي بانعدام الرؤية البصرية، والكفر ظلمات، يحجب ما أنفقته اليد في طريق الخير، فلا يستفيد الكافر منها.

ويتناسق التعقيب على المثل مع جوّ التصوير بالظلام وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ فيتضح من خلاله أن نور الله، هو الوحيد الذي ينير طريق الإنسان في ظلمات الحياة المتراكمة كما صوّرها المثل القرآني الأخير.

وأحيانا يلجأ تصوير الأمثال إلى الجمع بين المؤمنين والكافرين في مثل واحد، لإجراء الموازنة بينهما وإيضاح الفوارق الجوهرية بين الاثنين، مثل الفوارق بين النور والظلام، والحياة والموت. وهذا النوع من التصوير للأمثال يشكّل مجموعة ثالثة، لها علاقاتها السياقية، وروابطها المتصلة ببقية الأمثال المصورة. يقول الله تعالى في ذلك: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ

<<  <   >  >>