التقابل بين الصورتين، تتّضح الفوارق الجوهرية بين المؤمنين والكافرين، ومن ثمّ استحالة المساواة بينهما بأي شكل من الأشكال.
ويلجأ تصوير الأمثال أحيانا إلى أسلوب «الرمز» في إقامة الموازنة بين المؤمنين والكافرين، لبيان حقيقة أهل الإيمان، وحقيقة أهل الكفر والضلال، ولكنّ أسلوب الرمز المتبع في تصوير الأمثال ليس فيه غموض يحجب المعنى، وإنما هو نوع من الإخفاء الفني للمعنى، لتحريك العقول والأذهان للبحث عنه وكشفه. يقول الله تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ الرعد: ١٧.
يقول الزمخشري في تحليل هذا المثل:«هذا مثل ضربه الله للحق وأهله، والباطل وحزبه كما ضرب الأعمى والبصير، والظلمات والنور مثلا لهما، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزله من السماء فتسيل به أودية الناس، فيحيون به، وينفعهم أنواع المنافع، وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلي منه واتخاذ الأواني، والآلات المختلفة، ولو لم يكن إلا الحديد الذي فيه البأس الشديد لكفى به، وأن ذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهرا، يثبت الماء في منافعه، وتبقى آثاره في العيون والآبار والحبوب والثمار التي تنبت به مما يدخر ويكنز، وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله، وانسلاخه على المنفعة بزبد السيل الذي يرمي به، وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب»«٢٤».
فالآية هذه تشتمل على مثلين يتفاعلان في السياق، لتوضيح المعنى الديني، على الرغم من الاختلاف في طبيعة التصوير في كلّ منهما، فالمثل الأول يستمد مادته التصويرية من مشاهد كونية مرئية، مشهد نزول الأمطار والسيول، وما يعلوها من زبد، والمثل الثاني مستمد من الصناعات. وفي كل من المثلين المضروبين ظواهر مشابهة للصراع بين الحق والباطل، ونتائج هذا الصراع في غلبة الحقّ على الباطل. وهذا التنويع في تصوير المثلين، يهدف إلى تقريب الفكرة الدينية من الناس جميعا على اختلاف بيئاتهم، سواء أكانت بيئة