زراعية كما في المثل الأول، أم بيئة صناعية كما في المثل الثاني، وعناصر التصوير في كليهما، عناصر معروفة لدى كل إنسان في كل مكان، فهي عناصر باقية متجددة، لأنها صور ذهنية مختزنة في الذاكرة من عالم المحسوسات.
إن الله سبحانه ضرب مثلا للحق في أصالته وثباته وبقائه وغلبته، كما ضرب مثلا للباطل في تفاهته وزواله، ليدرك الإنسان المخاطب، من خلال المثلين طبيعة الحق النافعة المفيدة، وطبيعة الباطل الفاسدة الهزيلة، ويضع أمام عينيه نهاية الصراع بينهما، وأن الغلبة للحق وأهله، والهزيمة للباطل وأعوانه فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.
فالله سبحانه يضرب هذا المثل للناس، ليوضّح لهم حقيقة الإيمان الباقية والغالبة، وحقيقة الكفر الخبيثة الهزيلة، التي ليس لها جذور ولا استقرار.
ويرغب الله بالكلمة الطيبة التي هي كلمة التوحيد، ويجسّمها في صورة الشجرة الطيبة القوية الجذور في الأرض، والباسقة الفروع في السماء، والدانية الثمار والعطاء، تقابلها صورة أخرى للكلمة الخبيثة، التي هي كلمة الكفر، يجسّمها في صورة شجرة خبيثة مجتثّة من فوق الأرض، فليس لها جذور ثابتة، ولا فروع باسقة ولا ثمار يانعة، والفوارق كبيرة بين الصورتين المتقابلتين، كالفوارق الجوهرية بين الكلمة الطيّبة والخبيثة.
ويطول تصوير الشجرة الطيبة، لإبراز محاسنها، وجمالها، الذي يشمل الجذور والفروع، أو الباطن والظاهر، وآثارها الدائمة في الثمار الدانية من القطوف، كآثار الكلمة الطيبة الدائمة، وجمالها في روح الإنسان وسلوكه.
أما تصوير الشجرة الخبيثة فجاء موجزا سريعا، اكتفى باجتثاثها من فوق الأرض، وترك بقية التفصيلات للخيال كي يستحضر عناصر التصوير ويكملها، فإذا كانت الشجرة