الخبيثة قد اجتثت لخبثها وقلة فائدتها فلم يبق هناك داع لذكر فروعها وأغصانها وثمارها بعد استئصال جذورها.
ويوحي التصوير في المثل هنا بأن الإيمان هو الباقي، لأنه يمتد في جذوره إلى أعماق الفطرة الإنسانية، وهو ثابت خالد، لأنه يصل العبد بربه، وهنا نلاحظ حركة الامتداد في الأعماق، وحركة الامتداد في الآفاق، كما أنه مفيد ومثمر، وتظهر ثماره وفوائده في سلوك المؤمن وفكره وقوله. فهو دائم العطاء في الحياة، ثم إن الإيمان هو الباقي والمنتصر على الباطل، لأن الكفر مقطوعة جذوره، فليس له قرار أو ثبات بعد قطع جذوره.
وهكذا تترابط الصور في أمثال هذه المجموعة بروابط فكرية وتصويرية، في رسم الحقّ في ثباته واستقراره وانتصاره، ورسم الباطل في هزاله واندحاره فالحقّ- كما ورد في تصويره- هو النور والحياة والماء النافع والشجرة الطيبة، والباطل هو الظلام والموت والزبد، والشجرة الخبيثة المجتثّة.
والحق هو الباقي والمنتصر، لأنه نور وحياة ومفيد، وعميق الجذور في هذا الكون، والباطل زائل، لأنه ظلام عارض في الكون والحياة، وزبد طاف يذهب جفاء، ومقطوع الجذور، فلا أساس له في هذا الكون وهذه الحياة.
ويترتّب على ذلك أن المؤمن هو السميع البصير، وهو الحيّ المنتصر، لأنه استخدم حواسه في معرفة الحق العميق الجذور في الكون والحياة، والكافر هو الأعمى والأصم، والميت، لأنه عطّل حواسه فلم يدرك الحق ولم يؤمن به.
فالأمثال المصوّرة في هذه المجموعة، تعتمد على نظام العلاقات والروابط في تأدية المعاني، وتوضيح الرؤية الدينية للحياة والإنسان والكون، فهي ليست أمثالا منفصلة بل مترابطة ونامية لتكوين بناء فكري متكامل من خلال التصوير الفني في القرآن الكريم.
ومن هذه المجموعة أيضا، تصوير المثل لعقيدة التوحيد، بالاعتماد على الموازنة أيضا في إيضاح الفروق بين التوحيد والشرك كقوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ النحل: ٧٥ - ٧٦.