والمثلان هنا مأخوذان من واقع الحياة الاجتماعية للعرب آنذاك، فقد كان لهم عبيد، لا يملكون شيئا، وليس لهم حرية التصرف، أو القدرة على فعل شيء إلا بأمر أسيادهم.
والتصوير في المثل الأول يركّز على أنهم لا يسوون في حياتهم بين عبد مملوك لا يقدر على شيء، وبين سيّد حرّ، مالك متصرف في أمواله، ينفق منها سرا وجهرا، ويرفضون المساواة بينهما، ويأنفون من ذلك إذ كيف يسوّى بين العبد المملوك، والحرّ الطليق، ولكنهم يرضون بالتسوية بين سيد العباد ومالكهم وبين أحد من عبيده أو شيء آخر مما خلق، وهذا تناقض بيّن، لا يقول به العقلاء.
والتصوير في المثل الثاني يركّز على أنهم أيضا لا يسوون في حياتهم بين رجل أبكم ضعيف بليد، لا يعود بخير، وبين رجل عاقل حصيف، متكلم آمر بالعدل، مستقيم على طريق الخير.
ولكنهم يرضون بالتسوية بين الله سبحانه وتعالى وهذه الأصنام الجامدة البكم.
فالمثلان يقيمان الأدلة والبراهين على عقيدة التوحيد، من واقع حياة العرب آنذاك، ويظهران تناقض المشركين في تصوراتهم واعتقاداتهم.
ويتواصل هذا المثل مع مثل آخر يدور حول حقيقة التوحيد والشرك، والفروق بينهما من الناحية النفسية لكلّ من المؤمن والمشرك، يقول الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الزمر: ٢٩.
والفرق كبير بين عبد مملوك لشركاء عدة، كل واحد يأمره بأمر، وهو موزّع بين أسياده المتخاصمين عليه، لا يدري كيف يرضي هؤلاء المتخاصمين جميعا، لذا فهو يعيش في قلق وحيرة وعذاب، وعبد آخر مملوك لسيد واحد، يتلقى منه أوامره، وينفذها، ويعرف ما يريده منه وما لا يريده، لذا فهو يعيش في توازن ووضوح.
والتصوير في هذا المثل، مستمد أيضا من واقع الحياة العربية آنذاك، ويتضح من خلال تصوير المثل أن المؤمن يعيش في حياته، ينقاد إلى الله سبحانه، وحده دون سواه فمصدر التلقي عنده واحد، والسيد الذي يملكه واحد، بيده النفع والضر، والرزق والمنع، فهو يوحّد جهوده في كسب رضاه، والسير على منهجه، فيشعر بالراحة والاستقرار في عبوديته لله وحده دون سواه.