أما المشرك فيعيش في اضطراب وقلق وتمزق، لأنه موزّع الأهواء والاتجاهات بين الآلهة المتعددة التي اتخذها أربابا من دون الله.
ثم جاء التعقيب المتناسق مع جوّ التصوير، وعقيدة التوحيد الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
فالصورة في أمثال هذه المجموعة، تتعاون، في رسم ملامح كلّ من المؤمنين والكافرين، لإيضاح الفوارق الجوهرية بين الفريقين، والتواصل مستمر في هذه الصورة، ضمن أنساق تعبيرية متفاعلة معها، كما أن الروابط الفكرية التي تجمعها تكاد تدور حول القضايا الأساسية للدين، مثل التوحيد، والشرك، والمؤمن، والكافر، والصراع بين الحق والباطل ونحو ذلك.
ثم هناك مجموعة رابعة من الأمثال المصوّرة، ترسم ملامح المنافقين، وتكشف حقائق نفوسهم، وهي أمثال مترابطة فيما بينها في التصوير والتأثير. تشكّل مجموعة ضمن الأمثال القرآنية، لها علاقتها وأدواتها التصويرية، وروابطها الفكرية، ولكنها أيضا مرتبطة بالتصوير العام للأمثال القرآنية، يقول الله تعالى في المنافقين: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ، أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ، يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة: ١٧ - ٢٠.
وهنا نلاحظ تفاعل المثلين في السياق، عن طريق التجاور السياقي، والتماثل الفكري والنفسي للمنافقين، وتبرز الحالة النفسية للمنافقين مجسّمة في صورة المثل، حيّة ناطقة، تكشف عن حقائق نفوسهم المضطربة القلقة التي لا تثبت على مبدأ أو رأي، والظلمة الكثيفة، في التصوير، تجسّم ظلمة النفوس، وتتضافر الروابط التعبيرية، والروابط التصويرية، في تعتيم الصورة، ورسم كثافة الظلام فيها، حتى تتناسق مع صورة المنافقين المظلمة.
وإسناد ذهاب النور إلى الله، واستخدام كلمة بِنُورِهِمْ بدلا من ضوئهم، وجمع «ظلمات» ثم قوله «لا يبصرون» كلها علاقات تعبيرية متفاعلة مع أدوات التصوير الأخرى، لزيادة