ويستمر تصوير الأمثال في وصف المنافقين، في مثل قرآني آخر، يوضح دور المنافقين في التحالف مع اليهود ضد المسلمين، فقد قال المنافقون لليهود بأنهم سيقاتلون معهم المسلمين، وأغروهم بالحرب، ولكنّ المنافقين خذلوهم، وتركوهم وحدهم يواجهون المسلمين، فكان مثلهم كما قال الله تعالى فيهم: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ الحشر: ١٦، فالله ضرب هذا المثل لتصوير موقف المنافقين من اليهود، حين أغروهم بمقاومة المسلمين، ولكن موقف المنافقين تغيّر بسرعة، حين رأوا انتصار المسلمين على اليهود، وجلاء اليهود عن المدينة، فمثل الله حالهم بحال الشيطان مع الإنسان، فالشيطان يغري الإنسان باتباعه بطرق شتّى فإذا تمّ إغواؤه فضلّ عن السبيل وطغى وكفر، تملّص الشيطان منه، ونفض يديه من تحمّل مسئولية إضلاله، وتركه يواجه العذاب والهلاك وحده. وهذا ما حدث لليهود حين استجابوا لإغراءات المنافقين، وأعلنوا عداءهم للمسلمين طمعا في دعم المنافقين لهم دعما ماديا ومعنويا، ولكنّ المنافقين سرعان ما تملصوا من وعودهم حين جدّ الجدّ، وجلا اليهود عن المدينة، تبّرءوا منهم، وعادوا إلى إظهار الإسلام. والعلاقة قوية بين الممثّل والممثل له أو بين المنافقين والشيطان، فهم أولياؤه وأعوانه، يقومون بدور خطير في تهديم المجتمع الإسلامي من داخل الصفوف.
والمثل المضروب لهم ينطبق على المشبه تماما فدورهم هو دور الشيطان نفسه، بكل مراحله المتدرّجة.
وترتسم صورة المنافقين، واضحة بكل ملامحها واتجاهاتها من خلال الأمثال المصوّرة، وتتوضح حقائق نفوسهم المظلمة، وتذبذبهم بين هؤلاء وهؤلاء، ودورهم الخطير في التحالف مع أعداء الإسلام، لهدم المجتمع الإسلامي من داخل الصفوف. وتعاونت صور الأمثال في رسم هذه الملامح لهم، بدقة وعناية، لتحقيق الغرض الديني في التحذير من النفاق والمنافقين.
وهناك مجموعة خامسة من الأمثال المصورة تدور حول أهل الكتاب، وهي أمثال قليلة كقول الله في اليهود مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الجمعة: ٥.
وقد اعتمد التصوير هنا على صورة الحمار دون غيره، تحقيرا لشأن اليهود، وذمّا لهم،