للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً الكهف: ٤٥.

في هذا المثل، يقرب الله سبحانه صورة الدنيا من الأذهان، موضحا حقيقتها، في سرعة تحوّلها وتبدّلها من الخضرة والنضارة، إلى الذبول والزوال، فيصوّرها في سرعة فنائها بسرعة فناء النبات.

والمثل المضروب لها، قصير موجز، والتصوير فيه سريع خاطف، يتلاءم مع حال الدنيا في سرعة زوالها، فيلقي التصوير السريع ظلّ الفناء في ذهن الإنسان وحسّه، كي يستقر هناك بقوة وثبات. فالماء في تصوير المثل، ينزل من السماء، فيختلط بسرعة بنبات الأرض، وهذا ما توحي به الفاء العاطفة الدالة على الترتيب والتعقيب المباشر، ثم إنّ هذا الثبات لا يصوّر ناميا ومثمرا، ولكنه بسرعة خاطفة يصوّر «هشيما تذروه الرياح».

فتصوير المثل يعتمد على جمل ثلاث في تصوير قصر الحياة الدنيا، وسرعة زوالها وقد تناسق التصوير مع التعبير في رسم قصر الحياة الدنيا، وسرعتها في الزوال والفناء، من خلال الماء النازل، واختلاطه بالنبات، والهشيم المتناثر في نهاية الصورة، وقد قامت الفاء العاطفة في تسريع حركة التصوير حتى يبلغ نهايته المؤثرة في فناء الدنيا وزوالها.

وبعد أن تلقي صورة المثل ظلّها في النفس الإنسانية، يأتي التعقيب على المثل بقوله:

وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ليرتبط الإنسان المخاطب بالقوة الإلهية القادرة على الإحياء والإماتة في كل حين. وهكذا يتواصل المثل المضروب، مع حركة الصورة القرآنية، في السياق القرآني، لتكوين الرؤية الإسلامية المتكاملة، عبر الصور المتجمّعة حول هذا المحور.

والمثل الثالث للدنيا يتواصل مع المثلين السابقين لها، ضمن نظام العلاقات بين أمثال المجموعة، وتبرز عدة روابط، تربط هذا المثل بمجموعته، منها، الاعتماد على الماء كعنصر من عناصر التصوير، وكذلك النبات، في مراحل نموه، ونهايته، ولكنّ الجديد في المثل الثالث هو ذكر الدنيا بكل ما فيها من متع وإغراءات، مثل المال والأولاد، والتكاثر، والزينة، واللهو واللعب، ثم بعد ذلك ضرب المثل لها.

يقول الله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي

<<  <   >  >>