فالدنيا لعب ولهو، تستميل النفوس الضعيفة، وزينة خادعة، لأنها زائلة، وتفاخر بالأحساب والأنساب والأموال والأولاد، ولكنّ هذه الصور زائلة إذا قيست بالآخرة.
ثم يأتي المثل مصوّرا حقيقتها الفانية، فيمثّلها بالمطر النازل من السماء، فينبت الزروع، حتى تنمو وتكبر وتتكاثر، فيعجب الزرّاع بهذه الزروع المتنوعة، ولكنّ هذه الزروع تصفرّ وتيبس وتتحطم في النهاية، وهذا هو حال الدنيا.
ويقصد بالكفار هنا الزرّاع، لأنهم يكفرون الحبوب في التراب أي يسترونها، ولكن استخدام الكلمة هنا في السياق توحي بأن الكفار هم الذين يعجبون بالدنيا، ويغفلون عن حقيقتها الزائلة وبعد تصوير زوال الدنيا في المثل، يعقب على ذلك بذكر الآخرة باعتبارها دار البقاء والخلود وهذا التعقيب في نهاية المثل يتفاعل مع بدايته، عن طريق التضاد، للإيحاء بأن صور الدنيا المختلفة زائلة فانية، وما في الآخرة من صور النعيم هو الباقي الخالد. وبذلك تتقابل الصورتان في ذهن المخاطب، وتتفاعلان، لتحقيق الموعظة والعبرة، والأثر الديني الذي هو هدف تصوير المثل.
وهناك أمثال قرآنية مصوّرة للإنفاق في سبيل الله وهي المجموعة السابعة، وهذه الأمثال مرتبطة بأمثال تصوير فناء الدنيا، ومعتمدة عليها، فالإحساس بالفناء يدفع الإنسان إلى الإنفاق، وعدم التعلّق أو التمسك بالدنيا.
وأمثال هذه المجموعة، وردت متعاقبة في سياق واحد، وبينها علاقات، تشدّ بعضها إلى بعض، لتكوين وحدة منسجمة داخل المجموعة، متميّزة باتجاهها وملامحها، وصورها، بالإضافة إلى حركة ارتباطاتها بالمجموعة قبلها، واعتمادها عليها كقاعدة اساسية للإنفاق، بعد التأكيد على زوال الدنيا في المجموعة السابقة وتدور الأمثال المصورة في هذه المجموعة حول ضرورة الإنفاق لمواساة الفقراء والمساكين والإخلاص لله في ذلك، والتحذير من الإنفاق رياء أو مصحوبا بالمنّ والأذى للفقراء والمحتاجين، ووعد الله للمنفقين ابتغاء وجهه، بمضاعفة الأجر والثواب يوم القيامة.