للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصورة في هذا المثل، تركّز على المشبه به، وتجمل في صورة المشبه، في قوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وتزيد من إيراد التفصيلات المرغّبة في الإنفاق، فالحبة الواحدة أنبتت سبع سنابل، ثم السنبلة الواحدة تحتوي على مائة حبة، فتتضاعف الحبة إلى سبعمائة ضعف.

والتدرّج البطيء ملحوظ في تصوير المثل، لزيادة تشويق المخاطب، وترغيبه بالإنفاق، فيظلّ المخاطب، يتابع مشهد نموّ الحبة وهي تنمو وتكبر، كأنها أمام عينيه في مشهد محسوس جميل، مثير للخيال، ومشوّق للنفس، فتغدو الحبة سبع سنابل، ثم السنبلة الواحدة فيها مائة حبة، ثم يترك للخيال أن يتابع تضاعف الأجر، من خلال مضاعفة الحبة في المشهد المنظور، وليس المراد هنا حقيقة العدد، بل المقصود به التكثير والمضاعفة، لذلك آثر التعبير جمع الكثرة «سنابل» على «سنبلات» ليلقي التعبير ظلّ الكثرة في حس المخاطب وخياله، فيدفعه هذا إلى الإنفاق، طلبا للزيادة ومضاعفة الأجر.

وقد تعاون التعبير والتصوير، على أداء المعنى، وتوضيحه، فاختيرت الحبّة لضرب المثل وقد تكون موجودة، أو متخيّلة على سبيل الفرض والتقدير ثم طوي المضاف في التعبير فلم يقل «كباذر حبة» حتى يظلّ الإنسان مشدودا إلى متابعة نموّ الحبة، وتكاثرها في المشهد المحسوس، وهذا الحذف للمضاف جعل التعبير موصولا، بين نمو الحبة وتكاثرها، وبين المنفقين في سبيل الله، فيظلّ الذهن يربط بينهما، ولا يشغل بسواهما.

ثم يأتي التعقيب على المثل بقوله: وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ فيزيد الصورة وضوحا، وإثارة للمشاعر الإنسانية ثم يأتي قوله: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ متلائما مع جوّ تصوير المثل، فيفتح أمام الإنسان آفاقا رحبة لعطاء الله الواسع الذي لا ينفد.

ويشترط في الإنفاق أن يكون في سبيل الله، غير مصحوب بالمنّ والأذى، حتى يتحقق الغرض منه في تهذيب نفس المنفق، وبثّ روح التعاون بين أفراد المجتمع الإسلامي.

وقد ضرب الله سبحانه مثلين لنوعين من المنفقين، الأول ينفق ماله رياء، والثاني ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله. وعرض هذين النموذجين في السياق، يهدف إلى توضيح الفوارق في النيات، وما يترتّب عليها من الثواب أو العقاب.

يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً

<<  <   >  >>